السبت 2020/11/28

آخر تحديث: 13:09 (بيروت)

توصية مجلس النواب: تتفيه التشريع والسياسة وحياة اللبنانيين

السبت 2020/11/28
توصية مجلس النواب: تتفيه التشريع والسياسة وحياة اللبنانيين
لا أحد يريد إجراء التدقيق الجنائي، إنما استخدام الملف في إطار المقايضة السياسية (عباس سلمان)
increase حجم الخط decrease
لم يصل لبنان في تاريخه إلى مثل هذه الحال من التفاهة السياسية.
الإنهيار الذي تعانيه البنية اللبنانية الاقتصادية والاجتماعية والمالية والسياسية، يبدو وكأنه منظمّ، لتعميم نظام التفاهة، وتحطيم المؤسسات ودورها.
ويمكن للمجلس النيابي أن يختصر هذا المشهد. وهو مجلس المشرعين الذي لا يضم من رجال القانون والتشريع ما يتجاوز عدد أصابع اليد. وفي المجلس هواة، استعراضيون، رجال مال وأعمال، متذاكون، متفاصحون، ومتبارزون على تسخيف السياسة وكل قضية تعني اللبنانيين، فيحولونها رسوماً كاريكاتورية تعلّق على الجدران، أو معلّقات من زجليات البطولية.
وهكذا تكون نتيجة ثلاثة أيام من الضخ والتحضير لجلسة تشريعية مصيرية، هي إقرار توصية يتيمة.

مجلس التوصية 
ربما لا يعرف معظم النواب ما هي صلاحية مجلس النواب وكيف يعمل. وربما من يعرف وهم الأخطر، ويتعمدون التعمية وتسخيف عمل المؤسسة الأم في السلطة التشريعية. وهذا يندرج في إطار التدمير الممنهج الذي يشهده لبنان، وقد بدأ منذ سنوات باختزال السياسة بأشخاص، والطوائف والأحزاب بأشخاص وصداقات التمويل والشعبوية والألاعيب المذهبية والطائفية.
وأصدر المجلس توصية بوجوب إجراء التدقيق الجنائي في كل المؤسسات وليس في مصرف لبنان فقط. علماً أن المجلس النيابي لا يصدر توصيات. فصلاحياته واضحة ومعروفة، وهي أن يصدر التشريعات والقوانين. والتوصية تصدرها لجنة لا تمتلك صفة ملزمة، ولا قدرة تقريرية لها.

مجلس الفولكلور 
اعتاد اللبنانيون على إصطلاحات الكذب في صناعة الأساطير والانتصارات. وخرج النواب يصفقون للإنجاز الذي تحقق. وما الذي تحقق؟ المجلس النيابي يقرّ توصية بإجراء التدقيق الحنائي. كلام منمق بلا معنى ولا أية فاعلية، ولا حتى إلزام.
فمن يخالف التوصية لا يمكن أن يكون خاضعاً للمحاسبة أو المساءلة، بينما القانون الملزم وحده الذي يحتّم الالتزام بمندرجاته، ومن يخالفه تجب محاسبته. وهذا ما لم يفعله مجلس الفلكلور في إطار معارك التعمية وتسجيل النقاط وإدعاء الإنتصارات. ربما يعلم المشرّعون أنهم في ممارساتهم هذه يضربون ما تبقى من هيكل المؤسسات. باعتماد آلية 6 و6 مكرر حتى في مثل هذه القرارات، ولو كانت غير ملزمة.
والإدعاء أن التوصية تنص على إجراء التدقيق الجنائي في كل الوزارات والمؤسسات والإدارات والصناديق لا معنى له قط. وهذا بعد ان كان الخلاف يتركز حول إصرار رئيس الجمهورية على التدقيق في مصرف لبنان، ورفض التدقيق في الجمارك ووزارتي الطاقة والاتصالات، وآخرون يرفضون التدقيق في الصناديق والمجالس.

لعبة كشاتبين 
ما جرى في المجلس النيابي ليس اتخاذ قرار مبني على قانون ملزم بإجراء التحقيقات المالية اللازمة، إنما لعبة جديدة من "كشاتبين" للقوى السياسية. ورفعت الجلسة، وعلا التصفيق، ولم يصدر القانون الذي كان يفترض صدوره ويتعلق بتعديل قانون النقد والتسليف وإلغاء السرية المصرفية، لإنجاز التحقيق والتدقيق اللازم.
المصفقون تبارزوا في من ينسب الإنتصار لنفسه، وبأن التدقيق سيحصل. وعندما جوبه المشرعون بأن ما جرى ليس أكثر من فولكلور كاذب، حتى بدأ الالتفاف على الموضوع بالقول إن الجلسة المصيرية كانت تمهيدية لإقرار قوانين في جلسات أخرى تتعلق بإلغاء السرية المصرفية وإلزام المصرف المركزي بتسليم كل ما لديه من معلومات ومستندات. وحتى الآن لم يتحقق شيء، ولا بد من انتظار إقرار القوانين اللازمة.
ما جرى يؤكد أن لا أحد يريد إجراء التدقيق الجنائي، إنما استخدام الملف في إطار المقايضة السياسية على ملفات ومكتسبات أخرى. ومن يتحمس للتدقيق يعرف أنه سيطاله، فيضغط في سبيل تحقيق الهدف قبل بلوغه. والهدف هو إضفاء المزيد من التعمية بدفع حاكم مصرف لبنان إلى مغادرة البلاد، قبل مساءلته، بحثاً عن تحقيق هدف سياسي.

قوانين في الأدراج
مشاريع وإقتراحات التدقيق الجنائي ليست جديدة في لبنان. تعود إلى سنوات خلت، في موازنة العام 2001 التي أعدها وزير المال حينها فؤاد السنيورة، تحت عنوان "إخضاع حسابات المؤسسات العامة وحسابات المؤسسات والمرافق التابعة للدولة لنظام التدقيق الداخلي والتدقيق المستقل من قبل مكاتب التدقيق والمحاسبة."
ووضع الإقتراح في أدراج المجلس النيابي ولم يقر. ومنذ العام 1993، هناك مشاريع قوانين تتعلق بالرقابة على الحسابات المالية من قبل ديوان المحاسبة، لكنها أيضاً لم تقر من قبل المجلس النيابي. والغاية من هذا الاقتراح هي مراقبة كل المصروفات المالية وكيفية صرفها. وفي العام 2006 أيام حكومة الرئيس فؤاد السنيورة أيضاً، تم التقدم بمشروع قانون لمراجعة وتدقيق حسابات كل البلديات والمؤسسات والإدارات العامة، وهو صادر بناء على مرسوم رقم 17053، إلا أنه أيضاً لم يطبّق، علماً أنه ينص على إجراء تدقيق ومراقبة مالية كاملة وشاملة على كل المؤسسات وكل ما له علاقة بالمال العام.
عملياً لم يناقش المجلس النيابي أي إقتراح جديد. ما كان مطروحاً بالأمس، مطروح منذ التسعينيات وفي حكومات ما بعد العام 2000، لكنها كلها أخفيت في الأدراج من دون أي مقاربة جدية لتطبيقها بعد إصدارها في مراسيم.
ليس ما يجري إلا عملية جديدة من التدمير الممنهج والذي يتجلى في المسار السياسي منذ سنوات التسويات إلى اليوم، وسيستكمل لإرساء المزيد من الانهيار.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها