الثلاثاء 2020/11/24

آخر تحديث: 12:59 (بيروت)

زوال الدولة وبقاء أشلاء لبنانية بإدارة غربية ــ إيرانية

الثلاثاء 2020/11/24
زوال الدولة وبقاء أشلاء لبنانية بإدارة غربية ــ إيرانية
خشية دولية من انفراط المؤسسات الأمنية (المدن)
increase حجم الخط decrease

حادثة فرار موقوفين من سجن بعبدا في لبنان، أخيراً، سواء وقعت بسبب خطأ أو تقصير أو تواطؤ أمني، تذكّر في مكان ما، بتحذير خطير أطلقته منذ مدّة "مجموعة الأزمات الدولية" بشأن الوضع اللبناني.

في تقرير تحت عنوان "إخراج لبنان من الحفرة"، الصادر في 8 حزيران 2020، ثمة تخوف من عواقب وخيمة لـ"ترنّح" مؤسسات الدولة بسبب الانهيار الاقتصادي والمالي وهبوط قيمة رواتب القطاع العام، على المؤسسات الأمنية في البلاد.

تآكل قدرات الدولة
فمن المحتمل، وفق التقرير، أن "تشعر" قوى الأمن "بإغراء القيام بأعمال إضافية لصالح من يدفع – الأحزاب السياسية، الأثرياء و/أو المجتمعات المحلية التي تسعى إلى تنظيم أمنها محلياً". بمعنى آخر، تواجه الدولة خطر تفتت مؤسساتها الأمنية إنْ لم تبدأ فوراً عملية الإنقاذ وفرملة الانهيار، لأن "عناصر قوات الأمن الذين ستنخفض رواتبهم وسيعملون على مساحات أكبر من أن يستطيعوا تغطيتها من المرجح أن يندمجوا تدريجياً مع مقدمي الأمن المحليين، الذين يعرضون عليهم أجوراً إضافية. ومن المرجح أن يتنافسوا مع بعضهم البعض للسيطرة على الموارد والضرائب المحلية"، حسب ما ورد في التقرير.

تُكرّر "مجموعة الأزمات الدولية" تحذيرها، في تقرير آخر لها بعنوان "تجنّب انهيار الدولة اللبنانية"، الصادر في مطلع تشرين الأول 2020. تتخوف من احتمال "تآكل قدرات الدولة، خصوصاً في مجال الأمن (والصحة)". السيناريو المفترض يتمثل في "اضطرار بعض عناصر قوى الأمن إلى البحث عن مصادر دخْل أخرى"، بسبب تراجع قيمة رواتب الدولة.

لا تمثل حالة الفرار من سجن بعبدا، حتى الآن، مؤشراً قوياً على بدء تجسيد حالة التفكك المفترضة. لكن يمكن وضعها ضمن خانة المؤشرات الضعيفة في ظل وجود مثل هذا التخوف الدولي حيال مصير الأجهزة الأمنية. وقد تساهم المساعدات الدولية الخاصة، عبر قنوات منفصلة عن مسار صندوق النقد الدولي ومؤتمر "سيدر" المشروط بتحقيق الحكومة للإصلاحات، في تبديد تلك الخشية وضمان صمود المؤسسات الأمنية، لا سيما الجيش اللبناني، بوجه الانهيار.

شروط الزوال
بيد أن فكرة تأمين دعم مالي دولي كهذا، بالإضافة إلى اضطلاع لاعبين دوليين، حكومات وهيئات دولية، أصلاً، بمهمات تمويل مساعدات إنسانية وصحية واجتماعية وإعمارية (بعد تفجير مرفأ بيروت) وتنموية مختلفة، إنْ هي تدل على شيء، فهو على مزيد من عجز الدولة عن تقديم الخدمات العامة والقيام بوظائفها كافة. هكذا، لن يبقى من أركان الدولة سوى السكان، الذين هاجر وسيهاجر قسم منهم، وإقليم لا تسيطر أو لا تبسط الدولة سيادتها عليه. أما وجود هيئة حاكمة ذات سيادة تتولى شؤون السكان، فقد كان من الأساس ضعيفاً، وبات اليوم على المحك.

لن يتعرّض البلد لهجرة كليّة لسكانه. ولن يختفي إقليمه بشكل كامل نتيجة زلزال شامل أو فيضان يقضمه ويلحق بسكانه هلاكاً كاسحاً. هذه المشاكل والكوارث المتوقعة في التاريخ هي من شروط "زوال الدولة" في منظور القانون الدولي. لكن ما هو مطروح اليوم، كمظهر من مظاهر هذا "الزوال"، يتمثل في فقدان السيادة المنقوصة أصلاً. فالانهيار الاقتصادي والمالي، بما سيترتب عليه من أزمات إنسانية وصحية واجتماعية، وبما يعنيه من استفحال عجز الدولة عن تسديد ديونها وصولاً إلى تدمير المالية العامة، من شأنه أن يعزز الدور الخارجي في إدارة شؤون لبنان.

تقاسم الأشلاء
أكثر من ذلك، يتجه الوضع، على ما يبدو، نحو تكريس لبنان ضمنياً كبلدٍ يخضع إقليمه أو تخضع بالأحرى أشلاؤه إلى ما يشبه الـ"كوــ إمبريوم" (Co-imperium) بين إيران من جهة، والدول الغربية، خصوصاً الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا من جهة أخرى. فهذه الأطراف الخارجية تتقاسم فعلياً النفوذ على أرض دولة لبنان. تفرض عملياً الوصاية عليها في مجالات مختلفة. ونتيجة تسارع وتيرة الانهيار الاقتصادي والمالي، ها هي تمارس وتستعد لممارسة صلاحيات ومهام لا ولم تعد تمارسها الدولة اللبنانية أو بدأت تتلكأ تدريجياً عن الاضطلاع بها.

من "دُوَيْلة حزب الله" إلى "جمهورية المنظمات غير الحكومية"، مروراً بـ"إمارات" زعماء الحرب الأهلية وقوى الأمر الواقع؛ ومن التمويل الإيراني إلى التمويل الغربي، ناهيك عن التدويل ودور منظمة الأمم المتحدة، تكتمل معالم تآكل الدولة اللبنانية، إن لم يكن زوالها، بعدما أبقتها العصابات والمافيات الحاكمة دولة ضعيفة، قبل أن تحوّلها اليوم إلى دولة فاشلة.

نظام الـ"كوندومينيوم"
لن ينقص سردية الموت هذه سوى أن يحيي العالم مراسم دفن هذه الدولة، عبر نزع عضويتها من الأمم المتحدة وشطب اسمها عن خريطة العالم. البعض يفضّل عودة الانتداب الدولي أو الفرنسي. لكن لماذا هذا العناء الذي لا جدوى له؟ بعد زوال الدولة رسمياً، قد يكون من المستحسن، كمرحلة أولى، التحوّل من حالة شبه الـ"كوــ إمبريوم" الغربي ــ الإيراني غير المعلن في دولة لبنان، إلى ما يسمى بـ"نظام الحكم المشترك"، أي الـ"كوندومينيوم" (Condominium) الغربي ــ الإيراني على إقليم لبنان. هكذا، يتم الاعتراف رسمياً ودولياً بإدارتين على هذا الإقليم. وليتحمل كل طرف مسؤولية تولي الصلاحيات والمهام الحكومية المختلفة في خدمة سكان هذا الإقليم وأمامهم مباشرةً.

على صعوبته واستحالته ربما، يستحق هذا الخيار التفكير والبحث. وفي حال طُبّق، سيكون لكل حادث حديث. بعدها، إما أن يبقى إقليم لبنان خاضعاً لـ"نظام الحكم المشترك". أو يتم ضم أجزاء منه إلى هذه الدولة أو تلك، بحسب ما تمليه إرادة السكان. أو تكون التجربة بمثابة مرحلة انتقالية تنضج خلالها شروط بناء دولة قوية، حديثة وديموقراطية، دولة العدالة الاجتماعية، مركزية أو اتحادية، مستقرة وقابلة للحياة.

هذا الاستحضار من أدبيات التاريخ لواحدٍ من المفاهيم البالية، التي ولّى عليها الزمن، قد يكون قمّة في الرجعية، أو عبثية في أوجها. إلا أنه مفصّلٌ، بالتأكيد، على قياس رجعية وعبثية دولة لبنان.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها