السبت 2020/10/31

آخر تحديث: 00:07 (بيروت)

أربع سنوات: أين ولماذا ومتى فشل عهد الرئيس عون؟

السبت 2020/10/31
أربع سنوات: أين ولماذا ومتى فشل عهد الرئيس عون؟
بدأ عهد الرئيس عون أواخر أيار 2014 والتعطيل الذي لحقه على مدى 890 يوماً لانتخابه رئيساً (دالاتي ونهرا)
increase حجم الخط decrease
قبل عامين، في 11 أيلول 2018، ردّ الرئيس ميشال عون على من يقول إنّ عهده قد فشل بالقول "أقول لهؤلاء حرام على عقولهم". يومها كانت معالم الفشل بدأت بالظهور على مستويات مختلفة، منها تأخير تشكيل الحكومة وتعطيل التعيينات وعلى مستوى العلاقات الخارجية والوضع الاقتصادي الذي انكمش جزئياً. فوصف الرئيس عون معارضيه بالمجانين والمساكين. واليوم، بعد عامين على ذلك الموقف، وبعد 4 سنوات على وصوله إلى سدّة الرئاسة، طغى الفشل بشكل علني على العهد. ومنه على السلطة مجتمعة. ومنها على الدولة والمؤسسات والخزينة وسعر الليرة والوضع الاقتصادي والظرف الصحي والواقع التربوي وذلك القضائي والأمني. فكان عهد الرئيس ميشال عون، إلى الآن، عهداً قوياً على اللبنانيين وأزماتهم المتنقلة من قطاع إلى آخر.

العهد وسيرة التعطيل
لم يبدأ عهد الرئيس ميشال عون يوم 31 تشرين الأول 2016. بدأ في أواخر شهر أيار 2014، مع انتهاء ولاية رئيس الجمهورية السابق الموصوف بـ"الخشبي"، ميشال سليمان. في 25 أيار 2014، بدأ عهد عون مع سيرة تعطيل جلسات انتخاب مجلس النواب. عطلّ عون، ومعه الحلفاء في ما كان يُعرف باسم 8 آذار، 45 جلسة لانتخاب رئيس جديد. وعلى مدى 890 يوماً، لم يشاركوا في الجلسات ومنعوا النصاب القانوني عنها بهدف الاستيلاء على الرئاسة. ولد عهد الرئيس ميشال عون من رحم التعطيل. فالتعطيل كان قد تحوّل إلى مبدأ ومفهوم سياسي لدى التيار الوطني وحلفائه. عطّلوا الانتخابات الرئاسية، عطّلوا تشكيل الحكومات، عطّلوا التعيينات، عطّلوا الانتخابات النيابية بالتمديد للمجلس النيابي مرّتين.

الوقت الضائع
ومن رحم التعطيل، انطلق عهد الرئيس عون الذي استمرّ وفق المنطق نفسه. تعطيل يتبعه آخر في التفاصيل وخارجها. أربع سنوات وأربع حكومات، مع 3 استقالات واعتذار على المستوى الحكومي. وكان الفاصل الزمني بينها مطوّلاً جراء الأداء العوني المتقن. وفي العام الأخير، نموذج فعلي بهذا الأداء في عمليات تشكيل الحكومات. استقال الرئيس سعد الحريري من الحكومة في 29 تشرين الأول 2019. دعى الرئيس عون إلى الاستشارات النيابية التي تم فيها تكليف الرئيس حسان دياب في 19 كانون الأول. أي بعد 52 يوماً من الاستقالة. استقال دياب في 10 آب 2020، اعتذر الرئيس المكلف مصطفى أديب في 31 منه، وتم تكليف الرئيس الحريري مجدداً في 22 تشرين الأول. 49 يوماً للخروج من الأزمة. أكثر من مئة يوم ضاعوا من عمر اللبنانيين، ومن عمر العهد، في أقلّ من عام.

الدخول في المنظومة
طوال عشر سنوات من العمل البرلماني والمشاركة في الحكومات، بين أعوام 2005 و2016، كان لسان حال التيار الوطني الحرّ وتكتل الإصلاح والتغيير برئاسة النائب ميشال عون حينها انتقاد كل أداء صادر عن مكوّنات المنظومة الحاكمة. صاروا جزءاً منها حينهاً، رغم اعتراضهم الدائم على هذا التوصيف. إلا أنّ التيار والتكتل الذي بات اسمه تكتل لبنان القوّي، بات العصب الفعلي للمنظومة الحالية. وحين دخلوها من بابها العريض في رئاسة الجمهورية، طوّعوا انتقاداتهم لمصحلتهم، وظّفوها لتكبير حصّتهم في التمثيل والتعيينات الإدارية بدل نسف تركيبة المحاصصة. فكان مصير تلك القرارات، التعطيل الدائم كحال التعيينات والتشكيلات القضائية أو توظيف الناجحين في مباريات مجلس الخدمة. حتى أنّ حاكم مصرف لبنان، الذي يكيله المسؤولون العونيون ومناصرو التيار مسؤولية كل مآسي البلد، جدّد الرئيس عون ولايته. وكذلك أحوال مشاريع الطاقة التي عرقل فيها الوزراء المحسوبين على عون إقرار خطة الطاقة لتمرير مشروع إنشاء معمل للكهرباء لـ"المسيحيين".

عهد التسويات المدمّرة
فمن دخل الرئاسة من خلال تسوية مع خصمين أساسيين هما رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع والرئيس سعد الحريري، مضطر إلى مهادنة خصمين أساسيين آخرين هما رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط. وفي محاولات لتعويض بعضاً من ماء الوجه، افتعل التيار الوطني الحرّ أزمات مع هؤلاء الشركاء الأربع في الحكم. هاجم رئيس التيار، صهر عون النائب جبران باسيل، الرئيس بري ووصف بالبلطجي. فحوّل شوارع سنّ الفيل حيث مقرّ التيار إلى ساحة مواجهة في الشارع مع أنصار بري. هاجم القوات اللبنانية التي خرجت مضطرة من التسوية واتفاق إعلان النوايا، وحول سن الفيلّ نفسها إلى ساحة مواجهة مع أنصار القوات اللبنانية. حرّض على الفتنة ونقلها من منطقة إلى أخرى في زيارات مناطقية نتج عنها حرباً أهلية مصغّرة في قبرشمون. أمعن في الهجوم على سعد الحريري وعرقلة عمل حكومته، والتي بالمناسبة هي حكومة العهد، حتى أعلن الرجل الترحّم على التسوية. ما دخل العهد تسوية إلا وخرج منها إلى مزيد من التهشيم للدولة والمؤسسات. دمّر كل تفاهم نسجه مع الأطراف المحلية، وتبقى تسوية واحدة قائمة مع حزب الله، لكن مترنّحة على وقع الضغوط الأميركية والعقوبات والطموحات الرئاسية والسياسية لجبران باسيل.

تراكم الفشل
في تراكم تردّي الوضع الاقتصادي والمالي والاجتماعي، انطلقت ثورة 17 تشرين على وقع ضريبة "تافهة" كانت ستُفرض على تطبيق "واتساب". لكنّ الانهيار الفعلي حصل بعد انهيار سعر صرف العملة وأزمة السيولة في المصارف واحتجاز أموال المودعين وعدم تسديد ديون اليوروبوند وإفلاس الخزينة. حلّ الانهيار والإفلاس، وتكّلل العهد بالفشل. في سنته الأخيرة، أعاد العهد اللبنانيين إلى ثمانينيات القرن الماضي مالياً واقتصادياً. ونشب ظرف فيروس كورونا وزاد العهد فشلاً. ثم جاء انفجار المرفأ ودمّر ما تبقّى في العهد والبلد. أوصلت هذه الظروف اللبنانيين إلى حدّ تخزين الطحين والدواء والبنزين وكل المواد الأساسية المقدور على شرائها. في سنوات العهد، حصار غير معلن ومحاور قتال غير معلنة، لكن ما هو معلن إفلاس الدولة والمصارف واللبنانيين. وجاء انفجار مرفأ بيروت في 4 آب ليعلن نسف الدولة وأحزابها وسلطاتها المختلفة.

إنجازات لامعة
عند سؤال مقرّبين من الرئيس ميشال عون عن الإنجازات التي حقّقها عهده لا يتردّدون بالإشارة إلى الانتخابات النيابية التي تمّت لأول مرة وفق القانون النسبي. مع العلم أنّ النسبية جاءت مشوّهة بالكامل في القانون الأخير. يشيرون إلى التدقيق الجنائي والقوانين الإصلاحية التي صدرت عن مجلس النواب، إلى تكريس المناصفة، إلى الانتصار في معركة الجرود ضد الإرهابيين إلى وضع لبنان على الخارطة النفطية. ومن بين الإنجازات أيضاً، إنجاز مغفل يتمثّل بإنشاء "أكاديمية الإنسان للتلاقي والحوار" في لبنان، وهو مشروع لا يزال نظرياً لا نظام له ولا هيكلة، ينتظر تمويلاً وموافقة 10 دول على الأقل للتنفيذ. ومن بين الإنجازات المنسية أيضاً، تخصيص منصب وزير دولة لشؤون مكافحة الفساد لم يصدر عنه ورقة أو إخبار أو اتهام.

عبارات خالدة
طوال السنوات الأربع الماضية، صاغ الرئيس ميشال عون سجلاً لأقوال خالدة صدرت عنه وهو رئيس للجمهورية وللبنانيين، ويحمل صفة "بيّ الكل". لكن العام الأخير كان حافلاً في هذه الأقوال الخالدة المستفزة للناس. منها "إذا ما عندهم أوادم في هذه الدولة يروحوا يهاجروا". يوم 7 آب، وبينما كانت فرق الإنقاذ تسحب ناجين من بين الركام وفرق الإغاثة تنتشل جثامين شهداء وأشلاء، صرّح الرئيس عون قائلاً إنّ "الانفجار فك الحصار المفروض على لبنان، اتصل بي أغلبية رؤساء الدول الفاعلين وأعلنوا استعدادهم تقديم المساعدات المادية، وبدأوا بإرسال طائرات تحمل أدوية نحن بحاجة لها". على الأرجح، لم تكن العبارة زلّة لسان، لكونها مصاغة بطريقة مترابطة وهادفة، إلا أنها فعلياً تؤشر على واقع العلاقات الخارجية للدولة اللبنانية في العهد الحالي. علاقات مقطوعة مع الدول العربية، ومحرجة مع الدول الغربية، وتفاهمات مع إيران والعراق وسعي عقيم وراء مشاريع صينية في البلد. بعدها كان قول عون "رايحين على جهنّم"، في 21 أيلول الماضي.

في إطلالته الأخيرة، يوم 21 تشرين الأول 2020، قال الرئيس عون إنه "قلت كلمتي ولن أمشي، سأبقى أتحمل مسؤولياتي في التكليف والتأليف". في أحد تشرين الأول 1990، قبل ساعات من لجوئه إلى السفارة الفرنسية وبعدها إلى الأراضي الفرنسية إثر الغزو السوري لقصر بعبدا، قال عون "أنا قبطان السفينة، أنا آخر واحد بيترك لبنان، الكل بروح والعماد عون بيبقى". هو تشرين نفسه، مع فارق ثلاثين عاماً. الموقف نفسه، الظروف شبيهة مع انهيار كامل للبلد وللبنانيين على كل المستويات. في عهد الرئيس ميشال عون، مرّ الكثير وبقي القليل. والأصحّ، بقي الأقلّ لكون العهد يتقن اللعب بالوقت وإضاعته وجعله مملاً إلى أقصى الحدود ومدمّراً في أقسى الظروف. عامان إضافيان من التعطيل والانهيار والأزمات، فمن شرب بحر السنوات الأربع الأولى للعهد، يهون عليه شرب الماء من سدّ المسيلحة الفارغ. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها