الإثنين 2020/01/20

آخر تحديث: 00:15 (بيروت)

النظام اللبناني الزومبي

الإثنين 2020/01/20
النظام اللبناني الزومبي
نظام ميت حيّ يستعصي على الدفن (Getty)
increase حجم الخط decrease

قبل فترة وجيزة تم تشخيص المصارف اللبنانية بأنها "البنوك الزومبي"، أي هي عبارة عن مؤسسة مالية ذات قيمة اقتصادية أقل من الصفر.. لكنها لا تزال تعمل.

والحق أن هذا التوصيف لا يمكن حصره بالمصارف وحسب، طالما أنها ركن أساسي من النظام اللبناني منذ أن وُجد. وطالما أن هذا النظام، ما بعد الطائف، اعتنق نمطاً معقداً من تشابك المال والمقاولات والسياسة والسلطة، منعدم الشفافية، على نحو باتت فيه الدولة والمافيوية جسماً واحداً لا ينفصم. وزاد الأمر سوءاً وجود ميليشيات خارجة على الدولة وفوقها وشريكة فيها في آن معاً، بما يعطل أي منحى دستوري أو أي آلية للمحاسبة الشعبية. هكذا، استطاع تحالف المال والمافيا الطائفية والميليشيات مصادرة "الدولة".

وصل هذا النظام راهناً إلى استنفاد كامل لكل موارد النهب، تماماً كما وصلت المنظومة المصرفية إلى نهايات دورة الاستدانة والتسليف وتأمين الموارد. لكن لا الدولة المافيوية بوارد إعلان فشلها النهائي ولا المصارف بوارد إعلان إفلاسها.. ما زالا يعملان!

نحن إذاً أمام "زومبي". جثة تتحرك، وترفض الاعتراف بموتها.

من خصائص الزومبي المريعة، لا تشوهها الخلقي ولا بطء حركتها ولا تعفن لحمها ولا تقيحها فقط.. بل شهيتها لنهش الأحياء بجوع لانهائي. نهمها لافتراس الحياة وإماتتها وقدرتها على تحويل ضحاياها إلى زومبي أيضاً. كما أن الكائن الزومبي مجرد من أي وعي، بدماغ منطفئ وفاقد للنطق. حالة مضادة للطبيعة. ميت حيّ يستعصي على الدفن، يمد يده من تحت التراب ويخرج من المقبرة، تماماً كما تصوره أفلام الرعب.

الزومبية هي اليوم التوصيف الملائم للنظام السياسي والمالي اللبناني. وفي هذه الحال، من الصعب تدبير جنازة لائقة وهادئة له. من الصعب ترتيب طقوس التوقير لهذا الميت ودفنه. بل من الصعب وضع هذه الجثة في تابوت.

هذا "الميت" لا يزال يتحرك، لا يزال يعمل، وقد تحول إلى وحش مرعب. صحيح أنه بطيء وكسول ومتعثر ومشوه، لكنه فعّال وعنيد ومثابر على الافتراس. لا مجال لمحاورته أو مفاوضته. لن "يرقد بسلام" ولن يتوقف عن ملاحقتنا.

تقول لنا الأساطير الشعبية أن الطريقة الوحيدة للتخلص من الزومبي هي اقتلاع قلبه وحرقه. عندها فقط يهمد ويصير جثة تستحق الدفن، ويعود الأحياء إلى طمأنينتهم.

على هذا المنوال، يفرض النظام اللبناني نفسه زومبياً لا يقبل مغادرتنا إلا إن استطعنا اقتلاع قلبه. إنه يفرض علينا عنفه وعنفنا المضاد. هنا المخاطرة الكبيرة إزاء عضاته وقدرته على العدوى وتحويلنا إلى ضحايا، إلى زومبيين.

فلنسرع وننتزع قلبه.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها