حزب الله يلتزم الصمت حيال ما يجري. عندما وقعت حادثة كفرشوبا، قبل نحو شهر، وادعى الإسرائيلي إفشاله عملية لحزب الله، أصدر الحزب بيانه وأعلن أن لا علاقة له بما يجري. حينها، تركزت التحليلات والمعطيات وقتها حول أن الحزب كان يريد تنفيذ عملية لكن الإسرائيلي اكتشفها وأفشلها. ما حصل بالأمس، ربما يكون أمراً مشابهاً، وربما يكون مختلفاً عن ذلك. خصوصاً في ظل التضارب في المعطيات التي وردت إثر حصول التوتر. سواء لجهة اكتشاف فتحة في السياج، أو إطلاق نار على مركز أو دورية إسرائيلية.
"على إجر ونص"
لدى سؤال مسؤولين من الحزب، رفضوا التعليق على ما يجري، تاركين كل الإحتمالات في مجال الورود، من دون حسم أي وجهة، على قاعدة أن المسائل الأمنية والعسكرية لا يمكن إفشاؤها. هذا الكتمان يفيد الحزب على مستويات عدّة. معنوياً، من خلال إظهار نفسه كمبادر من دون إدعاء المبادرة. الأمر الذي ينعكس تعبوياً في بيئته وبين جمهوره. وثانياً، إشغال الإسرائيلي أكثر بالبحث عن ما يفكر به الحزب، الذي التزم صراحة بتنفيذ ضربة رداً على مقتل أحد عناصره في سوريا. من الناحية المعنوية أيضاً، يدّعي الحزب أن لا علاقة له بما جرى، ويعمل على تسويق أن الإسرائيلي يشتبك مع نفسه، نتيجة الخوف والاحتساب والترقّب، بينما المناصرون للحزب يتوجهون إلى الشريط الحدودي للتفرج على ما يجري. هذا أيضاً جزء من المعركة التعبوية والحرب النفسية، التي يحرص الحزب على استمراره متفوقاً فيها، انطلاقاً من القاعدة التي أرساها أمينه العام وهي وقوف الإسرائيلي على "إجر ونص".
الخداع والملل
ولكن بعيداً عن كل هذه التحليلات والقراءات، لا بد من العودة بالذاكرة قليلاً إلى الوراء، وربط جملة أحداث ببعضها البعض. منذ الأخبار التي تحدثت عن إلقاء القبض على مواطنين سودانيين أرادوا عبور الشريط الشائك بحثاً عن عمل في الأراضي المحتلة. وهذا حصل لأكثر من مرّة. وفي التقدير الأمني والتحليل العسكري، قد يكون حزب الله عمل على الاستفادة من هؤلاء السودانيين لإكتشاف مكامن الخلل في الشريط الشائك. وتكررت العملية أكثر من مرة في أكثر من موقع. هذا من ناحية. ومن الناحية الثانية، تكرار عمليات تسلل السودانيين، من شأنه أن يوقع الإسرائيليين في حالة ملل ويأس في التعاطي مع مثل هذه الأحداث، التي إذا تكررت كثيراً، ستصبح أي عملية تسلل للحزب أسهل بكثير، لأن الإسرائيلي حينها سيكون أقل جدية وقابلاً للانخداع. فيحقق الحزب أكثر مما يريد.
ما بعد محاولات التسلل للمواطنين السودانيين، جاءت عملية كفرشوبا قبل أكثر من شهر، والتي لم يتبن الحزب أي علاقة فيها، وصولاً إلى حادثة منتصف ليل الثلاثاء. صمت الحزب ولم يتبن أي رواية من كل الروايات التي جرى تناقلها. هنا أيضاً يجوز الظن أن الحزب كان ينوي تنفيذ عملية ولم تكتمل. أو أن الحزب أراد لـ"شبه العمليات" هذه أن تكون طعماً للإسرائيلي، وتبقى أعمالاً "لقيطة"، على غرار العمليات التي استهدفت إيران مثلاً ولم تجد من يتبناها. طبعاً من دون أوجه شبه فعلية بين هذه الأحداث. فلا يكون الحزب ملزماً بأي تداعيات لما يجري. أو تكون هذه "شبه العمليات" مقدمات لتنفيذ عملية فعلية وكبيرة، فيما بعد.
التوظيف الإسرائيلي
ولكن أيضاً بمقدار ما يركز الحزب في مثل هذه الأحداث على الجانب المعنوي، فإن الإسرائيلي سيستغلها أيضاً سياسياً ومعنوياً، خصوصاً مع الإعلان عن وجود رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في الشمال عند وقوع الحادثة. فعلى الأرجح، سيستثمر نتنياهو إلى حدّ بعيد هذه الحادثة ليوظفها في الداخل الإسرائيلي. وهو الذي يواجه تظاهرات احتجاجية كثيرة. أيضاً سيحاول الإسرائيلي استغلال هذه الأحداث والتوترات على بعد أيام من موعد تجديد ولاية قوات اليونيفيل في الجنوب اللبناني، وسط ضغوط مكثفة من قبل أميركا وإسرائيل، لتوسيع صلاحيات هذه القوات.
صحيح أن الأميركي يريد إما توسيع صلاحيات اليونيفيل وتزويدها بالمزيد من التقنيات لكشف حركة الأسلحة وتعزيز حضورها وتفتيش الكثير من المواقع والمخازن، أو أن يعمل على تخفيض ميزانيتها وعديدها. إلا أن بقاء اليونيفيل في الجنوب يمثّل مصلحة إسرائيلية لتجنب أي تدهور أو تصعيد مقبل. وبالتالي، ستشكل هذه التوترات استدراجاً لمزيد من الضغط الدولي المطالب بتعزيز صلاحيات اليونفيل.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها