الخميس 2019/09/19

آخر تحديث: 00:01 (بيروت)

السعودية تنتبه للبنان فجأة.. ونشاط فرنسي محموم في المنطقة

الخميس 2019/09/19
السعودية تنتبه للبنان فجأة.. ونشاط فرنسي محموم في المنطقة
أتت جرعة الدعم السعودية للبنان بعد وقت طويل من تخلي المملكة عن الشأن اللبناني (دالاتي ونهرا)
increase حجم الخط decrease

يبدو لبنان في حالة انفصام مع واقعه. تريد السلطة فيه الانعزال عن كل ما يحيطها من مشاكل، أو يدهمها من ملفات. كل التقديرات الدولية تشير إلى أن لدى لبنان مهلة ستة أشهر لإنجاز الإصلاحات، تأهلاً للحصول على المساعدات الدولية. لكن جلّ ما يهتم به أهل السلطة وفي الحكومة هو إقرار بنود التعيينات. وهي تتعارض إلى حدّ كبير مع مبدأ الإصلاح. الإنفصام نفسه ينعكس على العلاقات بين مختلف القوى السياسية، بين تيار المستقبل والقوات اللبنانية، والقوات والتيار الوطني الحر. وفي غمرة الإنشغال اللبناني بالملفات المالية والاقتصادية، تتدفق تطورات عديدة على الساحة اللبنانية، لا تسترعي الكثير من الإنتباه أو الاهتمام.

الانعزال اللبناني 
قضية عودة العميل عامر الفاخوري، تحولت إلى مادة سجال إعلامي محض، من دون أي موقف سياسي واضح. إذ حاذرت القوى المختلفة والمتنوعة إثارة هذا الموضوع على النحو الملائم. وكأن هناك تواطؤاً من قبل مختلف القوى، بمعزل عن الحملات الإعلامية والسجالات التي أثيرت حوله. اللامبالاة ذاتها، انعكست على تعاطي لبنان مع القرار الاتهامي الصادر عن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، حول جرائم اغتيال ومحاولات اغتيال، جورج حاوي، مروان حمادة، والياس المرّ. وكأن التواطؤ اللبناني "المنفعي" لا ينحصر فقط في الملفات المالية. فالجميع، على ما يبدو، لا يريد إثارة الملفات الخلافية، تفرغاً للشؤون الأخرى.

يسعى لبنان إلى عزل نفسه أيضاً إزاء كل ما يجري في محيطه. فلم يصدر موقف رسمي واضح يدين الاعتداء على المملكة العربية السعودية ومنشآت النفط فيها، باستثناء ما قاله الرئيس سعد الحريري، الذي يكاد يكون خالياً من أي موقف سياسي. وسط كل هذه الحرائق، كان لبنان يحتفل بإنشاء "أكاديمية الحوار والتلاقي". وهذه مدعاة للغرابة، في ظل الصراع المحموم لبنانياً، سياسياً وثقافياً وهوياتياً، وفي ظل النزعة العنصرية المستشرية، والتي تنعكس في مجالات مختلفة، ليس آخرها السجال حول العملاء والمقاومة وسرديات الحرب: من البطل ومن المجرم ومن الوطني ومن العميل.

إلى باريس ونيويورك 
وسط كل هذه الضوضاء والسجالات، يركز لبنان على محطتين أساسيتين: زيارة رئيس الحكومة إلى باريس للقاء الرئيس الفرنسي، والبحث في إطلاق مؤتمر سيدر. وزيارة رئيس الجمهورية ميشال عون إلى نيويورك للمشاركة في الجمعية العامة للأمم المتحدة. وبينما يغادر المسؤولون، ينتظر لبنان جملة مداهمات لهذه الملفات وغيرها، كالعقوبات الأميركية التي على ما يبدو ستطلّ برأسها مجدداً، وقد تسابق مشاركة رئيس الجمهورية في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، كرسالة أميركية مغلّفة دولياً، رفضاً لمواقفه التي تجلّت بعد تطورات الضاحية الجنوبية والجنوب، وأظهر لبنان الرسمي تسليماً كاملاً لسياسة حزب الله.

المساعدة السعودية!
الإنفصام اللبناني، أيضاً يقابله تناقض غربي وإقليمي، فواشنطن لا تترك سياستها المتناقضة تجاه لبنان، من فرض عقوبات واعلان مواقف سياسية قاسية، إلى تسهيل الدعم له عبر حلفاء وأصدقاء، وشركات استثمار من شأنها أن تحفظ الاستقرار فيه، وتبقيه واقفاً على قدميه مالياً. المنطق نفسه يسري على إعلان وزير المال السعودي الاستعداد لتقديم الدعم للبنان وحكومته وشعبه. إذ أعلن وزير المالية السعودي محمد الجدعان أن المملكة تجري محادثات مع حكومة لبنان بشأن تقديم دعم مالي. وقال الجدعان:"نضع أموالنا والتزامنا في لبنان، وسنواصل دعم لبنان ونعمل مع حكومته". جرعة الدعم السعودية حضرت سريعاً في السراي الحكومي باللقاء الذي عقد بين الحريري والسفير السعودي وليد البخاري.

يمثل الموقف السعودي تطوراً بارزاً على صعيد العلاقات مع لبنان، خصوصاً أن السعودية أوقفت كل الدعم الفعلي والجدي والمالي للبنان منذ سنوات، وتحديداً بعد حرب اليمن، ومواقف حزب الله، واعتبار لبنان خاضع لإرادة الحزب. ومنذ تلك الفترة جرى إيقاف الهبة السعودية المقدمة لتعزيز القدرات العسكرية للجيش اللبناني.

حماسة الرئيس ماكرون
إذاً، لا ينفصل الموقف السعودي الجديد عن كل التطورات في المنطقة، وعن المساعي الفرنسية التي يصرّ الرئيس الفرنسي أن ينجزها في لبنان، عبر تقديم المساعدات له من خلال مؤتمر سيدر، كي يستعيد ماكرون دوراً فرنسياً بارزاً في لبنان. ومنه يكون قادراً على تعزيز دور فرنسا في المنطقة، خصوصاً أن ماكرون يراهن على دور كبير لفرنسا في الحوار مع إيران، وإشراك العرب بهكذا حوار.

وحسب ما تفيد مصادر متابعة، فإن الرئيس الفرنسي يستعد لمفاتحة القيادة السعودية بضرورة تفعيل الهبة العسكرية للجيش اللبناني، على ضوء الأحداث الأخيرة في الجنوب، ووجوب تعزيز قدرات الجيش. وهذا الملف سيكون مرتبطاً بعمليات التنقيب عن النفط وترسيم الحدود لما تستدعيه من شروط إرساء الأمن والاستقرار، أي توفير قدرات عسكرية متميزة للجيش اللبناني. وفرنسا التي تعمل على الخطّ اللبناني، ستعمل أيضاً على خطوط عربية أخرى، بغية توفير ظروف للحوار مع إيران وتخفيف التوتر. وهذا قد تضطلع به باريس من خلال علاقتها مع طهران ومع حزب الله في لبنان ومع دول عربية أخرى، تكون قادرة على إقناع السعودية بوجوب وقف التصعيد ضد طهران واختيار الحوار، وفق قناعة أن اتفاقاً إيرانياً أميركياً سيأتي في نهاية المطاف، وعلى العرب أن لا يكونوا خارجه كما حصل في العام 2015. وعليه، فإن لبنان كما اليمن، يشكلان مقدمة أساسية في أي حوار أو تصادم.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها