الثلاثاء 2019/09/17

آخر تحديث: 00:02 (بيروت)

حزب الله يصمت في سجال المقاومة و"العونية"

الثلاثاء 2019/09/17
حزب الله يصمت في سجال المقاومة و"العونية"
فجّرت قضية الفاخوري النزاعات السياسية والتاريخية المكتومة بين اللبنانيين (Getty)
increase حجم الخط decrease

عناوين كثيرة يطرحها منتصف أيلول، تمثل بكل تناقضاتها وتضاربها شروخ الوجدان اللبناني المتعدد كتعدد "الشعوب" اللبنانية المتناحرة. هي عناوين لا تفعل سوى تجديد الصراع على التاريخ والهوية والقيم في لبنان. وتدلل على أن اللبنانيين لا يزالون في حقبة الحروب الأهلية وغير الأهلية، وعياً وانحيازاً وانقساماً.

كان لمنتصف أيلول أن يكون أقل حدّة لولا قضية "عودة" عملاء إسرائيل، التي فجرها تسهيل وصول آمر معتقل الخيام السابق عامر الفاخوري، إلى لبنان، بطريقة ملتبسة تحمل الكثير من علامات الاستفهام حول خلفياتها وما سيأتي بعدها. اللغط والغضب اللذان رافقا انكشاف فعلة الفاخوري ومن ثم توقيفه، أحيا السجال "الوطني" في ذكرى إطلاق جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية، وذكرى اغتيال الرئيس بشير الجميل، وذكرى مجزرة صبرا وشاتيلا.. 

قراءات متعاكسة
هكذا انطلقت موجة السعار الطائفي مجدداً ومعها كل الانقسامات السياسية والأيديولوجية والاختلافات في سرد التاريخ. وكأن لبنان لا يغادر ماضيه. ما زال في الاشتباك السياسي الذي كان قائماً ما قبل الطائف، كما في سؤال الهوية ما قبل الاستقلال، وكذلك في إرث الحروب رجوعاً ربما إلى 1840 و1860. استعصاء مزمن ومستمر على الهوية اللبنانية، وسرديات الحرب وتبريراتها ومسؤولياتها. وقراءات متعاكسة إن في التحالفات مع إسرائيل وأميركا، أو التبعيات والارتهانات للخارج، سواء النظام السوري في فترة، أو منظمة التحرير الفلسطينية أو القذافي وصدام حسين.. إلخ، وإيران راهناً.

اللافت هنا، هو أن حزب الله المعني الأساسي حالياً بكل هذه القضايا، نجده محيّداً نفسه وغير معني بكل ما يجري. بما يطرح العودة إلى تاريخ الحزب نفسه من لحظات نشوئه، وعدائيته تجاه كل "المقاومات" الخارجة عنه، وشنه حروب تصفية ضدها، وعلاقته المتينة بالنظام السوري ثم بالتيار الوطني الحر، وحاجته إلى هذه العلاقة الاستراتيجية، بما يتخطى "الصراع على المقاومة". بل يتخطى السجال في ملف العملاء وعودتهم. خصوصاً أن قانوناً في مجلس النواب أُقر في العام 2011 لإعادة هؤلاء العملاء، ويجري الآن العمل على وضع مراسيمه التطبيقية لتنفيذه. وبالتالي، القضية لا تتعلق بالفاخوري فقط، بل بالكثير من أمثاله الذين سيعودون، ولا تنفصل عودة الفاخوري عن وجود 60 إسماً لعملاء كانت عودتهم ممنوعة، تم سحب كل ملفاتهم بشكل يسمح لهم بالعودة، وقد عاد البعض منهم من دون الضوضاء التي رافقت الفاخوري.

التقاء المصالح 
هذه المشكلة التي انفجرت، وتفجّرت معها عناوين الصراع على لبنان، أطلقت توتراً سياسياً وشعبياً كبيراً بين طرفين يتعارضان تاريخياً: "المقاومة الوطنية اللبنانية" الخارجة عن سيطرة حزب الله، وقوى "اليمين المسيحي". وهذا ما اختزله نحو مشهود الهجوم على سهى بشارة من قبل التيار الوطني الحرّ، والهجوم على بشير الجميل في المقابل من قبل "الوطنيين".. وسط صمت مطبق من قبل حزب الله، الذي قد لا يعتبر نفسه معنياً بكل ما يجري. وربما في هذه الحال، من المفيد العودة إلى الجذور أيضاً، لنفهم التقاء مصلحة حزب الله مع مصالح القوى المعارضة للمقاومة الوطنية المتحالفة مع منظمة التحرير الفلسطينية. تلك "المقاومة" (الحركة الوطنية) وجدت نفسها بعد خروج منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان بعد إجتياح 1982، محاصرة من مختلف القوى المحلية والإقليمية، من الاحتلال الإسرائيلي، ومن سلطة جديدة استقوت بالغزو وبحضور جيوش حلف شمال الأطلسي، وبالنظام السوري الذي وجد الفرصة للتخلص من منظمة التحرير ولاستتباع الأحزاب اللبنانية، ثم اكتمل الحصار مع صعود قوة حزب الله.

هذا النوع من التقاء المصالح، وإن بطريقة غير مباشرة، يتكرر حالياً في الصراع الدائر في المنطقة، خصوصاً بعد اندلاع ثورات الربيع العربي، حين تآلفت القوى المتناقضة في سبيل سحق هذه الثورات، فتلتقي تيارات مسيحية مثلاً وأقليات مع حزب الله وإيران، ومع قوى عربية دفاعاً عن الأنظمة على حساب الشعوب وتطلعاتها.

مضمون التحالفات 
بالعودة إلى قضية الفاخوري، هناك أسرار لم تكتشف بعد، فهو لا يمكن أن يعود من دون ضمانات على مستوى عال جداً. ومن لديه القدرة على توفير هذه الضمانات هو "التيار الوطني الحرّ"، القادر أيضاً على تأمين "غض نظر" من حزب الله.

وهذا الواقع يستدعي فتح موضوع عملاء هم أكثر خطورة وإيذاءً من الفاخوري، وكانوا مسؤولي أمن ومخابرات، وارتكبوا جرائم موصوفة. لكنهم "تابوا" فيما بعد، والتحقوا في الأحزاب النافذة. وأصبحوا أصحاب نفوذ وقرار في المناطق الجنوبية، بعد انضمامهم الانتهازي إلى الموجة التي سادت بعد الانسحاب الإسرائيلي. وكما لجأ بعض الشيعة إلى نقل البندقية من كتف إلى كتف، وإعلان التوبة وطلب الحماية من الأحزاب القوية، فإن المسيحيين لجأوا أيضاً إلى من يمثّل القوة في بيئتهم ويوفر لهم الحماية. وهذا يترجم مضمون التحالفات السياسية، سواء مع إيلي حبيقة ونادر سكر وميشال سماحة، وفايز كرم وغيرهم.. حيث لا تحتكم معاملتهم إلى مبدئية المقاومة و"الخيانة" بقدر ما تحتكم للمصلحة السياسية.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها