الرجل النحيل، رافع اللافتة يمشي متمهلاً صامتاً ومنفرداً، خارج جمع الواقفين على الرصيف. كأنه يريد أن يقول لركاب السيارات العابرة: انظروا، انظروا، شاهدوني، أنا هنا وحدي، أريدُ أن تروني هنا حراً طليقاً. لكنني أريدُ أن أذكّركم بأنني كنت في يوم ما في شبابي البعيد، أسيراً أو معتقلاً أو سجيناً هناك... في الخيام ربما، في أنصار أو في عتليت الإسرائيلية. وذاك الرجل الذي جُلِب اليوم إلى المحكمة العسكرية قد يكون جلادي، فلا تنسوا عذابي القديم الذي أيقظته عودته إلى بيروت قبل أيام.
الإعلام هو الحدث
عدد الكاميرات التلفزيونية 13 كاميرا. وإذا أردنا إحصاء الفريق الإعلامي الذي حضر لتغطية الوقفة الاحتجاجية الصباحية: مصورون/مصورات صحف ومحطات التلفزيونية ومواقع إلكترونية، مذيعات/مذيعون تلفزيونيون، وتقنيو بث مباشر، إضافة إلى الكتبة... لبلغ عددهم/عددهن أكثر بكثير من المحتجين الذين لا يتجاوز عددهم الثلاثين. والأرجح أن الإعلاميين هم أيضاً من المحتجين، أو يتعاطفون معهم.
فالوقفة ليست أكثر من إعلامية في أصلها وفصلها وغايتها: من وسائل التواصل الاجتماعي، إلى تلفزيون الواقع، إلى الصحافة الورقية التي تحولت إلكترونية. ألسنا نعيش اليوم في زمن الإعلام الجماهيري الذي أُوكِلت إليه صناعة الحوادت والرأي والوقائع والاحتجاجات والصور والكلمات والمشاعر والتاريخ، صناعةً آنية سريعة تسابق الزمن؟
مشنقة الإعدام
كان بين المحتجين الواقفين شاب يرتدي تي. شرت مطبوع عليها المنجل والمطرقة، ويتحلق حوله عدد من الشبان والشابات. وفي حلقة أخرى نساء أربع أو خمس مسنات مرتديات شادورات سوداء. وفي خلفية الوقفة قرب جدار سباق الخيل عدد من الرجال يشبهون رجل اللافتة النحيل، ويرفعون مثله لافتات مشابهة، لكنهم اختاروا الوقوف ثابين بلافتاتهم قرب الجدار العتيق.
مشهد الرجل النحيل، الماشي بطيئاً منفرداً شاهراً لافتته خارج دوائر المحتجين، بدا لي أقوى حضوراً وأثراً ومكوثاً في الذاكرة من تلك الدوائر والكاميرات والكوكبة الإعلامية التي صنعت الحدث، وقال لي مصور صحافي عتيق إن مشنقة عامر الفاخوري يجب أن تنصب هناك في معتقل الخيام.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها