وكتبت الصحافيتان الروسيتان: "من هنا تنتقل الماريغوانا (حشيشة الكيف) إلى الأسواق الأوروبية، عبر سوريا وتركيا، ناهيك بتجارة السلاح. ونشاط تهريب الأسلحة من إيران إلى لبنان لدعم حزب الله، يُعدّ الحرفة المحلية الأصلية هنا". لكن محمد جعفر "لا ينتمي إلى حزب الله، ولا تتداخل اهتماماته مع الحزب ولا مع إيران، بل مع روسيا". و"نسبة اللبنانيين" في الكتيبة المنضوية في الفيلق الخامس الروسي الأسدي، "تبلغ 25 في المئة، والباقي من السوريين"، على ما يؤكد جعفر. وهو يعرض على زواره بفخر شهادات تقدير حصل عليها من وزارة الدفاع الروسية: "شهادة الأداء المثالي للواجب العسكري"، و"شهادة البراعة العسكرية"، و"شهادة التفاني في تحدي مخاطر مكافحة الإرهاب الدولي". وهو يقول إن "الروس جنود ممتازون وقادة عظام".
مافيا سياحية أيضًا
يستخدم محمد جعفر منطق "حزب الله" في تبرير حربه في سوريا: "في بداية الحرب كانت الحدود اللبنانية - السورية مهددة. الجيش اللبناني قليل العدد جدًا، ولم يتمكن من السيطرة على الحدود. وهناك ضباط قبضوا رشىً لتهريب الأسلحة (الخليجية) إلى الجماعات الإسلامية في سوريا. لكننا استطعنا السيطرة على الحدود التي تمتد على مسافة 60 كلم. ومنذ بداية الحرب نعتمد مبدأ الدفاع عن النفس ضد المتشددين الإسلاميين، والمنظمات الإرهابية المحظورة في روسيا، من دون أي مساعدة خارجية". وعلى الرغم من أن مقاتلي هذه المنظمات لم يعودوا موجودين على الحدود منذ زمن طويل - تلاحظ الصحافيتان- "لا تزال كتيبة" درع وطن عشيرة آل جعفر "تقاتل في أنحاء من سوريا: في شتاء 2018 قرب دير الزور. وهي فقدت 22 رجلًا". وأبناء محمد جعفر وإخوته يمدون على الطاولة الرخامية "أشهى المأكولات: حمص، تبولة، خبز ساخن، وزيتون، وجبن محلي الصنع". ومبتسمًا يقول العراب العشاري لضيوفه: "على روسيا التفكير في التعاقد معنا لتقديم الخدمات السياحية. بوتين حاكم عظيم، وروسيا لديها كل المفاتيح في الشرق الأوسط". على جدران المنزل صور كثيرة لابن محمد جعفر البالغ عمره 17 سنة، وقتل بعد أسبوعين من زفافه. ويوضح والد القتيل: "عندما يستحيل تجاهل الحرب يمكنك القيام بشيئ واحد فقط: اختيار حليف لا يخونك أو يطعنك في ظهرك". ينطوي كلامه هذا ضمنًا على اتهام "حزب الله" بقتل ابنه الفتى، أو على أنه قد يكون ضحية نزاع بين هذا الحزب وكتيبة آل جعفر العشائرية. وما دام "أقرب الحلفاء في هذه الحرب يسعون إلى أهداف متضاربة - تلاحظ الصحافيتان - فإن هذا الشيعي اللبناني النافذ (في ديرته وعشيرته)، لم ينضم إلى حزب الله ولا إلى إيران أو إلى الأسد، بل انضم إلى الروس".
الطفيلي والجوهري
والتقت الصحافيتان الروسيتان الشيخ عباس الجوهري في منزله، وهو كان عضوًا في مجلس "حزب الله" السياسي منذ تأسيسه وحتى العام 1997، حينما تضاربت آراؤه مع قيادة الحزب الخميني الإيرانية، ويعارض اليوم عمله العسكري في سوريا. أما "آثار طلقات الرصاص في جدران منزل الجوهري، فليست إطلاقًا رصاصات الإرهابيين، بل هي رصاصات أعضاء حزبه السابقين الذين حاولوا مرارًا وتكرارًا اغتياله"، كتبت الصحافيتان الروسيتان اللتان التقتا أيضًا الشيخ صبحي الطفيلي في منزله، فسألهما مبتسمًا: "هل أنتم (مع المترجم اللبناني) صحافيون مستقلون، وهل هناك صحافيون مستقلون في روسيا؟"، ثم استطرد: "أنقذت روسيا وإيران نظام الأسد. وإذا غادر الروس الآن، ففي غضون 10 أيام تعيد المعارضة السورية السيطرة على البلاد بأكملها". وتساءل الطفيلي: "كيف تطور داعش؟ من أعطاه المال والسلاح؟"، ثم أجاب: "بذلت بلدان جهودًا كبرى لتنمو جماعة الدولة الإسلامية كي يستطيعوا القول: نحن هنا لنحارب هذه الجماعة المتشددة! لقد خلقوا هذا الشر، ليقولوا نحن نحارب الشر". وختم الطفيلي بأن "الأخلاق الاستعمارية انتهى وقتها، وسوريا تحتاج إلى انتخابات ديموقراطية حقيقية تجمع كل الناس، وحينها تتاح لروسيا فرص رائعة لبناء علاقات ودية مع القيادة الجديدة ومع الشعب السوري".
العشيرة و"حزب الله"
لكن على من تقرأ مزاميرك يا داوود في هذا الزمن؟
زمن ظهور الجيوش الخاصة، والشركات الأمنية الخاصة، من "بلاك ووتر" الأميركية في عراق ما بعد صدام حسين، إلى "كونكورد مانجمنت" الروسية التي أسسها طباح بوتين واقترحت على نظام البشير السوداني "نشر أخبار عن مهاجمة المحتجين السودانيين مساجد ومستشفيات (...) وعن محاباتهم المثليين وتأييد إسرائيل"، قبل الانقضاض عليهم في ساحات الاعتصام. ومن هذه المجموعات العسكرية الخاصة كتيبة محمد جعفر الروسية التي قد يعوّل عليها الشيخان الجوهري والطفيلي في جبه ثارات "حزب الله" وضغينته.
و"زعمُ (أي) جماعة مركبة - من جسم عسكري وجماعة أهلية وكتلة حزبية - الاستيلاء على الدولة الوطنية ومرافقها، والاضطلاع بدورها الجامع مع الاحتفاظ بروابط الجماعة الخاصة، وبتماسكها ومراتبها، يفضي إلى تخصيص الدولة وتصديعها وإحلال منطق الأهل العصبي فيها"، على ما كتب وضاح شرارة (المدن، 29/ نيسان، 2019). ويتساوى في هذا "حزب الله" الشيعي الحرسي وتنظيم أبو بكر البغدادي الإسلامي السني وكتيبة آل جعفر الشيعية العشائرية الروسية، و"إيران الحرسية" و"سوريا الأسدية" و"عراق صدام حسين" وما بعد صدام حسين، و"لبنان الحزب اللهي العوني – الباسيلي".
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها