واجتاز أهالي بيت جن الجرد هاربين من الحرب الأسدية عليهم، فساروا على أقدامهم أو ممتطين دوابهم للوصول إلى شبعا على منقلب جبل الشيخ الغربي، فاستقبلهم أهلها وآووهم في مساجدها، وبعضهم أجّرهم البيوت الخالية. ومنذ 2013 استقر أهالي بيت جن في البلدة الحدودية اللبنانية، فعملوا في ورش البناء، وأعادوا إحياء بساتينها الكثيرة المهملة البائرة منذ الاحتلال الاسرائيلي. ومذّاك لم تحدث في شبعا حادثة تتصل باللجوء السوري الذي أدت كثافته (بلغ عدد اللاجئين عدد سكان شبعا المقيمين) إلى تنشيط بعض وجوه الحياة المتصلة بالمساعدات الدولية للاجئين.
وكان لـ "الجماعة الإسلامية" الدور الأبرز في تنظيم إيواء اللاجئين ونجدتهم وإنشاء مستوصف لإغاثتهم وطبابتهم، وعمل فيه أطباء ومسعفون من اللاجئين أنفسهم. ذلك أن "الجماعة الإسلامية" في شبعا تتصل شبكاتها بالمهاجرين من البلدة الحدودية في بلدان الخليج العربي منذ خمسينات القرن العشرين. وكان لمسؤول الجماعة الذي اغتيل دور أساسي في تلك الأعمال الاغاثية. علما أن في شبعا مستشفى حديثة أنشئت وجهّزت منذ أكثر من 7 سنوات بمساعدات خليجية. لكن المستشفى الجاهز للتشغيل لم يعمل قط بسبب مناكفات الأجهزة الحزبية الطائفية الرسمية اللبنانية في المنطقة على تقاسم توظيف محاسيبها الطبيين والإداريين فيها. وهكذا ظل المستشفى الجاهز للعمل معطلاً، حتى يقال أن تجهيزاتها قد صدأت واهترأت.
غموض الدوافع
ويعود حضور "الجماعة الاسلامية" وكذلك الجماعة "السلفية" في شبعا إلى تسعينات القرن العشرين والعقد الأول من الألفية الثالثة، وهو حضور يتصل عضويًا بجيل جديد من مهاجري البلدة نشأ في بلدان الخليج العربية، وفي السعودية على وجه التخصيص. لكن إسلامية هذه الجماعات الشابة على صلة أيضًا بتجمعات أهالي شبعا المقيمين في حي السلم وحارة الناعمة، من دون أن تظهر صلتها بالدعوات والمنظمات الجهادية، إلا فرديًا، وفي ما ندر، وخارج البلدة.
ولدى سؤال كثرة من أهالي شبعا عن محمد قاسم الجرار الذي اغتيل وجرت مراسم دفنه في مقابر البلدة بعد ظهر الإثنين، قالوا إنه رجل مسؤول ومشهودة أعماله الخيرة في بلدته وللاجئين السوريين. أما حادثة اغتياله فلا تزال غامضة.
لكن اللافت أن أحد مخاتير شبعا، وهو مقيم في بيروت، روى أنه بعد عملية الاغتيال مباشرة، تلقى اتصالاً هاتفيًا من أحد أقاربه في البلدة أفاده أن كثرة من أهلها، لدى سماعهم إطلاق نار في الليل، ظنوا أن من أُطلِقَت عليه النار هو أحد المقربين إلى "حزب الله" مع مجموعة من الشبان، وبيته قرب مستوصف "الجماعة الاسلامية" في تلة القاطع. والأرجح أن هذا الظن يتصل بحيازة المقرب من حزب الله ومجموعته قطع سلاح حربية رشاشة، يتباهون بها في البلدة باعتبارها "سلاحًا مقاومًا" في بلدة حدودية سنّية يميل معظم سكانها لـ "تيار المستقبل". لكن بعدما تبين أن من تعرّض للاغتيال هو مسؤول "الجماعة الإسلامية" ومستوصفها، شاع أن القتيل كان قد تلقى اتصالًا هاتفيًا من السويد طلب منه المتصل لقاء شخص يريد التبرع بمواد طبية للمستوصف، وحدّد له موعد اللقاء قبل وقت قليل من خروجه من منزل جيرانه، ولدى خروجه أُطلقت عليه الرصاصات الغامضة القاتلة.
التكتم والأصداء "الخليجية"
وروى من جرى الاتصال بهم من أهالي البلدة أن مَن ساروا في موكب تشييع القتيل كانوا شديدي التكتم في الكلام على الحادثة وملابساتها، خوفا من تبعاتها ومضاعفاتها. فعائلة القتيل (الجرّار) ضئيلة العدد، وهو وحيد والديه مع شقيقته.
واللافت أن الحادثة وصلت أصداؤها سريعًا إلى بلدان الخليج العربية، حيث جرى إدراجها في دبيب الصراعات المذهبية الإقليمية المشتعلة في المنطقة. فإحدى الصحف الخليجية اتصلت بمراسليها في بيروت طالبة منهم استصراح مسؤولي "الجماعة الاسلامية" في بيروت رأيهم في الحادثة ومضاعفاتها، فيما ألقى أمام مسجد القدس في صيدا، ورئيس "الاتحاد العالمي لعلماء المقاومة" الشيخ الشيخ ماهر حمود، مسؤولية الاغتيال على إسرائيل وعملائها. وذكر من جرى الاتصال بهم في بلدة شبعا أن مساعدي القتيل من اللاجئين السوريين (بينهم طبيب) أخافتهم عملية الاغتيال، وتوجسوا منها على أوضاعهم ومصيرهم في البلدة الحدودية.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها