الأربعاء 2019/05/15

آخر تحديث: 01:17 (بيروت)

معضلة الاستراتيجية الدفاعية: النفط مفتاح حل سلاح حزب الله!

الأربعاء 2019/05/15
معضلة الاستراتيجية الدفاعية: النفط مفتاح حل سلاح حزب الله!
لا مفر من بحث ملف الاستراتيجية الدفاعية (Getty)
increase حجم الخط decrease
عندما تغيّم في واشنطن ونيويورك، تمطر في بيروت. استعارة مجازية تكشف عن مدى تأثير مواقف وتحركات كل من الولايات المتحدة الأميركية ومنظمة الأمم المتحدة على الأجندة السياسية اللبنانية، وتسلط الضوء على ما يواجهه وما سيواجهه لبنان من تحديات شديدة التعقيد. والحال أن ملفين متلازمين باتا مطروحَيْن كأولويتين على جدول أعمال الحكومة اللبنانية. الأول آني وملحّ، يتعلق بملف المفاوضات غير المباشرة بشأن ترسيم الحدود البرية والبحرية بين لبنان وإسرائيل برعاية أميركية، والتي تصر واشنطن عليها لإيجاد تسوية بشأن المنطقة النفطية المتنازع عليها بين الطرفين. وتأتي زيارة مساعد وزير ‏الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى، دايفيد ساترفيلد، إلى لبنان نهاية هذا الأسبوع، للمساهمة ربما في وضع هذه المفاوضات على السكة. أما الملف الثاني الوثيق الارتباط بالأول، فيتعلق بالاستراتيجية الدفاعية اللبنانية التي من المتوقع أن تصبح مادة نقاش أساسية في المرحلة المقبلة.

مؤشرات أممية
حكومة لبنان لن تستطيع تجاهل المؤشرات القوية الآتية من نيويورك، بعدما جدد الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، مطلع شهر أيار/مايو الحالي، المطالبة بنزع سلاح حزب الله ووقف تدخله في سوريا، وذلك في تقريره نصف السنوي حول تطبيق القرار 1559 الصادر عن مجلس الأمن في أيلول/سبتمبر 2004، والذي دعا فيه الحكومة لـ"الانصراف إلى إعداد استراتيجية دفاعية وطنية"، مع تشديده على "ضرورة أن تحتكر الدولة امتلاك واستخدام الأسلحة إضافة الى استخدام القوة". كلام غوتيريس يعني ألا مفر من بحث ملف الاستراتيجية الدفاعية، المتصل بحل مسألة سلاح حزب الله، سواء حصل ذلك على طاولة حوار وطني برعاية رئيس الجمهورية أم داخل مجلس الوزراء. يبقى السؤال في معرفة ما إذا كان النقاش في هذا المضمار سيكون مجرد نقاش للنقاش أم للوصول إلى اتفاق؟ بمعنى آخر، هل ستنوي القوى السياسية اللبنانية الحفاظ على "الستاتيكو" أم تغييره؟ وفي حال توافقت على الخيار الثاني، ماذا ستكون بالتالي السيناريوهات المحتملة والممكنة لاستراتيجية دفاعية نهائية؟

دولة عاجزة
إبقاء الوضع على حاله، سيعني استمرار تعرّض لبنان لضغوط أممية وأميركية وغربية متعددة الأشكال. سيبقى مصنفاً ضمن قائمة الدول العاجزة عن فرض سلطتها وعن ممارسة سيادتها على كامل أرضها. فضلاً عن ذلك، سيستمر المخاض بشأن انتهاك لبنان (حزب الله) للقرار 1701 الذي أقره مجلس الأمن عام 2006، والذي ينص على "اتخاذ ترتيبات أمنية لمنع استئناف الأعمال القتالية، بما في ذلك إنشاء منطقة بين الخط الأزرق ونهر الليطاني خالية من أي أفراد مسلحين أو معدات أو أسلحة بخلاف ما يخص حكومة لبنان وقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان". وسيظل هذا البلد عرضةً للابتزاز أيضاً: استعادة الثقة به، وإعادة إعطاء الزخم للاستثمارات الأجنبية فيه، لا سيما في قطاع النفط والغاز قبالة شواطئه من الشمال إلى الجنوب، وربما تطبيق مقررات مؤتمر "سيدر" بأكملها، كلها أمور مرهونة ليس فقط بالإصلاحات المالية والإدارية وبخطط الكهرباء والمواصلات، بل كذلك بحصر السلاح وقرار الحرب والسلم بيد الدولة. هنا، يتسم هذا المطلب الدولي بطابع عام، مفاده أن المُراد يتمثّل في نزع سلاح حزب الله. بيد أن تنفيذ هذا المطلب يحتاج لمعالجة تفاصيل من نوع خاص، سيكون من السذاجة الاعتقاد بسهولة الاتفاق بشأنها. المهمة لن تكون سهلة إذاً، لأن الشيطان يكمن دوماً في التفاصيل. والمفاوضات من أجل إبرام التسوية المأمولة ستسير على طريق مزروعة بألغام قد يستحيل تفكيكها.

شيطان التفاصيل
ثمة فرضية تقول إن التسوية المعقولة والممكنة ـ المشروطة حتماً بتبنيها من قبل حزب لله ـ ستنص على وضع استراتيجية دفاعية لبنانية يتم بموجبها إدماج الجناح العسكري لحزب الله، أو جزء منه، ضمن الهيكلية العسكرية والأمنية للدولة. في هذه الحالة، يمكن تحويله إلى فصيل داخل مؤسسة الجيش اللبناني، تناط به مهام تتعلق بالردع وبحرب الاستنزاف في حال تعرض البلد لعدوان أو احتلال إسرائيلي. يمكن أيضاً الاتفاق على تحويله إلى جهاز أمني رسمي جديد، يضاف إلى الجيش وقوى الأمن الداخلي والأجهزة الأمنية الأخرى، على أن توكل إليه تلك المهام الدفاعية نفسها. لكن أياً تكن الصيغة التي سيتم التوافق بشأنها، ستصطدم بعراقيل لا يمكن تجاهلها.

العقبة الأولى تتعلق بالتوازن الطائفي. فهل ستقبل بقية الطوائف اللبنانية بضم عشرات آلاف العناصر الجدد الذين ينتمون بغالبيتهم العظمى للطائفة الشيعية، إلى "الكادر" الأمني ـ العسكري الرسمي؟ قد لا تكون هذه العقبة مستعصية، ويمكن للقوى السياسية اللبنانية تجاوزها عبر إيجاد مخرج طائفي لها. إلا أن العقبة الثانية التي يجب تذليلها تتعلق بالكلفة المالية لتسوية كهذه على دولة. فمن أين سيتم تأمين الموارد المالية لفصيل أو جهاز  بهذا الحجم، في ظل أزمة مالية واقتصادية تعصف بلبنان، وفي وقت تسعى فيه الدولة للتقشف ولتخفيف النفقات على القطاع العام بكل مؤسساته؟ لن يكون بوسع مجلس الوزراء حسم الإجابة على هذا السؤال ـ التحدي؟ ولن تساهم طاولة الحوار المحتملة إلا في التعبير عن حسن النوايا تجاه بحث مسألة الاستراتيجية الدفاعية. لكن ذلك لن يكفي لتقديم إجابة جدية تساهم بما هو أكثر من مسح ماء الوجه أمام المانحين الحذرين، وشركات النفط، والأميركيين المتشددين، والأمم المتحدة المهتمة بإيجاد حل نهائي وسلمي للمسألة.
ربما ستكون الإجابة مستحيلة. أو لعل الجواب سيأتي يوماً ما من بوابة النفط اللبناني المنتظر مع عائداته المالية. فيشكّل عندئذٍ دخول لبنان إلى نادي الدول النفطية دافعاً للخروج من "ستاتيكو" يراوح مكانه، مع كل أعبائه وتبعاته، منذ العام 2000، من دون التفريط بالقدرات الردعية الدفاعية بوجه إسرائيل.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها