الخميس 2019/04/04

آخر تحديث: 00:34 (بيروت)

بلبلة في مخيم "المية ومية": الجدار العازل و"أنصار الله"

الخميس 2019/04/04
increase حجم الخط decrease

لا تزال منطقة المية ومية، في صيدا، تعيش تداعيات الأحداث الأمنية التي شهدها المخيم، في تشرين الأول من العام 2018، بين حركتي فتح و"أنصار الله" (المدعومة من حزب الله)، وأوقعت حينها أربعة قتلى ونحو 30 جريحاً، وما رافقها من تأثير سلبي على بلدة المية ومية، حيث يقع المخيم على أراضيها.

تلك الأحداث وما سبقها، حفّزت المواطنين اللبنانيين، من سكان البلدة، على تجديد مطالبتهم المزمنة باستعادة أملاكهم من بيوت وعقارات، ضمّها استيلاءً أمين عام "أنصار الله"، جمال سليمان، إلى معقله داخل المخيم. وبنى في حديقة أحد هذه البيوت مسجداً، ورفع مئذنته على سطحه. ويطالب أصحاب هذه المنازل والعقارات وورثتهم بإخلائها وإعادتها لهم. كما يطالب آخرون بأملاك وعقارات لهم، تقع ضمن النطاق "الأمني" لمخيم عين الحلوة، علماً أن بعضهم كان قد تقدم بدعاوى قضائية لدى السلطات المختصة، وحصل على أحكام بالإخلاء، لكنها بقيت من دون تنفيذ!

جدار الأمر الواقع!
منذ ذلك الحين، يتابع هذه القضية بهدوء، وبعيداً عن الأضواء، راعي أبرشية صيدا ودير القمر للروم الكاثوليك، المطران إيلي حداد، وكاهن رعية المية ومية، الأب ساسين غريغوار، ورئيس البلدية رفعات بوسابا، وقيادة الجيش من جهة، والقوى الفلسطينية في المخيم ولا سيما "أنصار الله" من جهة ثانية. وأبدت الأخيرة تجاوبها "المبدئي"، واستعدادها لإخلاء وإعادة أحد هذه البيوت، والذي تعود ملكيته لآل واكيم (وديع وجورج واكيم). بينما بقي موضوع إخلاء وتسليم البيتين الآخرين، واحدهما عائد لآل دانيال (الياس وميشال دانيال) والآخر لآل أبو شعر، معلقاً، بانتظار إنجاز الخطوة الأولى، بالإضافة إلى أراضٍ وعقارات عائدة لمواطنين من البلدة، تم ضمها إلى المخيم قبل سنوات، من بينها أرض لخوري البلدة، وهو من آل جبور، تم إنشاء بناء عليها .

إلا أن تطوراً ميدانياً سجل الشهر الماضي، أعاد قضية استرداد أراضي وبيوت المية ومية إلى الواجهة، مع بدء الجيش اللبناني ببناء جدار اسمنتي، عند الحدود الشمالية الشرقية للمخيم، من جهة البلدة بهدف حمايتها. لكن هذا الجدار أثار احتجاج الأهالي، الذين أبدوا تخوفهم من أن يكرس هذا الجدار حرمانهم من أملاكهم، كونه يبقي بعض هذه البيوت والعقارات العائدة للبلدة ضمن نطاق المخيم. فدعا كاهن رعية المية ومية ساسين غريغوار (قبل عشرة أيام) إلى مؤتمر صحافي لأصحاب الأملاك المحتلة، خارج نطاق مخيم المية ومية، لشرح معاناتهم المستمرة من العام 1992، والتي ستتفاقم في حال ضم عقاراتهم للمخيم بعد إنشاء الحائط، الذي يقام بهدف حماية القرية – كما جاء في نص الدعوة – ما استدعى اتصالات، ومساع عاجلة، قام بها المطران حداد مع قيادة الجيش، وحصل بموجبها الأهالي على تطمينات بأن هذا الجدار مؤقت، ويمكن إزالته في أي لحظة، وأنه تدبير أمني ميداني من الجيش، من ضمن الإجراءات والتدابير التي يتخذها حول المخيم. بناء عليه، تم إلغاء المؤتمر الصحافي، واستعيض عنه ببيان جاء فيه: "بناءً على مناشداتٍ مخلصة وتدخلات طيّبة، قرر أهالي المية ومية، وخصوصاً أصحاب الأملاك المتضررة خارج نطاق المخيم، إرجاء تحركهم إفساحاً في المجال أمام المساعي الخيّرة".

المطران حداد وهواجس الأهالي
وفي حديث خاص بـ"المدن"، يشير المطران إيلي حداد إلى أن مطلب أهالي المية ومية يتمثل في إخلاء وإعادة البيوت الثلاثة إلى أصحابها، وأن يتم بناء الجدار خلف هذه البيوت، من جهة المخيم، وليس من جهة البلدة. ويقول "القضية تعود إلى أربع سنوات خلت، حين عمد أمين عام "أنصار الله"، جمال سليمان، إلى طرد ثلاث عائلات (واكيم ودانيال وأبو شعر) من بيوتهم، الواقعة على حدود المخيم، وضمها مع أرض للخوري جبور، إلى منطقة سيطرة "أنصار الله"، لتصبح أمنياً داخل المخيم. وتم تحويل أحد هذه البيوت إلى مسجد مع إضافة مئذنة، لتكريس وضع اليد عليه".

ويضيف "نحن نحترم كليا المسجد والصلاة فيه، ولكن يجب ان يكون هناك حل بعودة الناس إلى بيوتهم، ونحن لا نطلب غير ما تقر به القوانين، ولن نقول أزيلوا المسجد لأنه شعار ديني، لكن نترك للدولة أن تشرع ما تريده ولا تشرع ما لا تريده. والجدار الذي بدأ الجيش ببنائه أحدث "نقزة" عند أبناء البلدة، والذين يعتبرون الآن أن عودتهم إلى بيوتهم غير ممكنة مع وجود جدار. وأبدوا تخوفهم من أن يكرس هذا الجدار بقاء البيوت ضمن النطاق الأمني للمخيم، وكأنه توسعة له، أو بمعنى آخر، أصبح الجدار من الآن فصاعداً هو حدود المخيم. وذهب بعض الناس إلى طرح تساؤلات عما إذا كان هناك مشروع توطيني! وأنا أتفهم تخوف الأهالي. لكن الأمور يمكن أن تعالج بهدوء. وهذا ما يجري حالياً".

وعن الخطوة المرتقبة في هذه القضية، يقول المطران حداد "طلبنا إخلاء البيوت الثلاثة، وتسليمنا مفاتيحها لإعادتها لأصحابها. كما طلبنا النظر في إمكانية أن يكون الجدار خلف هذه البيوت، من جهة المخيم وليس من الخارج. ربما هذا الأمر صعب لوجستياً، لكن وُعدنا بتسليم مفاتيح البيوت الثلاثة. وقيادة الجيش هي التي تفاوض في هذا الموضوع مع الأفرقاء الفلسطينيين".

وعما اذا كان مرتاحاً للوضع الأمني في مخيم المية ومية، يقول المطران حداد "يهمنا أولاً أمن البلدة والمنطقة، وعدم تكرار ما حدث في المخيم. كما يهمنا العلاقة الداخلية بين الفلسطينيين أنفسهم، ثم علاقتهم مع الجوار اللبناني. ونحاول دائماً أن نتواصل مع كل الأفرقاء".

بالمقابل، يبدي جميع الأفرقاء الفلسطينيين في مخيم المية ومية تفهما لمطلب أهالي المية ومية، وإن كان بعض الفلسطينيين، لا يخفي توجسه مما هو أبعد من استعادة أبنية أو عقارات، كون المخيم أُنشىء أساساً على أراضٍ ضمن نطاق البلدة. وبالتالي، فهذا التوجس هو الخوف من "توظيف" هذا الموضوع لفتح ملف وجود المخيم ككل، واستهداف قضية اللاجئين.

شروط "أنصار الله"
أما حركة "أنصار الله"، فأكدت أنها تنوي فعلاً تسليم البيوت لأصحابها، باستثناء المسجد. وهي باشرت فعلاً بإخلاء أحدها وترميمه، تمهيداً لتسليمه لأصحابه، وفق ما أبلغ "المدن" أحد مسؤولي الحركة، ابراهيم أبو السمك. لكنه كشف عن أن قيادة "أنصار الله" أبلغت المعنيين بشرط أساسي للقبول بتسليم هذا البيت، أو غيره، ويتمثل هذا الشرط بأن تتلقى "أنصار الله" ضمانات بعدم بيعه، أو تأجيره لأي طرف أو شخص داخل المخيم.

مصادر مطلعة لـ"المدن" كشفت أن هذا الشرط استباقي، ويهدف لقطع الطريق على أي جهة فلسطينية أخرى داخل المخيم، من أن تتخذ أي بيت، ولو بصفة مشترٍ أو مستأجر، معقلاً لهذا الطرف الفلسطيني أو ذاك. والمقصود بهذا الشرط تحديداً خصمها الأساسي في المخيم، أي "حركة فتح"! فـ"أنصار الله" تعتبر أن أي خطوة من هذا النوع، من شأنها "إحداث اختلال في خارطة تموضع القوى الأساسية الموجودة في المخيم، وما تعتبره توازناً للقوى فيه"!

وعلى هذا المنوال، يمكننا تخيل أي بؤس "سياسي" بات مصاحباً لحال المخيمات الفلسطينية وتنظيماتها وزمرها المسلحة. وهو بؤس يجاريه أيضاً حال لبنان، دولة وسيادة وأمناً وسياسة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها