طبعاً، للعقوبات حسابات أميركية داخلية ترتبط بصورة الرئيس، دونالد ترامب، وبسعيه لتقديم نفسه أمام ناخبيه بوصفه الرئيس الحازم مع إيران وحلفائها. لكن هذا العامل لا يفسر وحده لجوء واشنطن إلى هذه السياسة العقابية. لا بد من وجود سلة أهداف أخرى تسعى الولايات المتحدة إلى تحقيقها.
يمكن أن تكون غايتها تغيير سلوك حزب الله على المستوى المحلي اللبناني، لكن هذا الملف لا يمثّل وحده أولوية أميركية. لعل إدارة ترامب تريد إضعاف الحزب لتقليص هامش المناورة لديه في إدارة الصراع مع إسرائيل، لا سيما في ما يتعلق بالخلاف على الحدود البحرية والثروة النفطية قبالة الشواطئ اللبنانية، وصولاً إلى انتزاع تنازل، ولو ضمني منه. لكن ما هي طبيعة هذا التنازل المحتمل؟ هل يتنازل الحزب عن شيء من ترسانته العسكرية، أم عن بضعة الكيلومترات المربعة في البحر؟ أو أن المطلوب هو مصادقته على هدنة طويلة الأمد على الحدود البرية والبحرية، بضمانات دولية، روسية ـ أميركية؟ ولعل واشنطن تعتبر أن حزب الله يشكل عقبة أمام "صفقة القرن"، على غرار ما كانت تمثله "منظمة التحرير الفلسطينية" من عقبة أمام "اتفاقية السلام" بين إسرائيل ومصر، لتتطلع بالتالي إلى تحجيمه، بواسطة العقوبات، كما تم تحجيم "منظمة التحرير" خلال حروب لبنان، وذلك لتسهيل إتمام "صفقة القرن". من الممكن أيضاً أن يكون الضغط على حزب الله جزءاً من سياسة هجومية ضد إيران، تنتهي بمقايضات على مستوى منطقة الشرق الأوسط.
قطع رأس المدبّر
على أية حال، اعتماد واشنطن لخيار العقوبات يعني على الأقل أنها غير مستعجلة للحرب. وسياسة العقوبات، التي تفرضها دولة عظمى، لا تكون عادةً عشوائية، بل تندرج ضمن استراتيجية طويلة الأمد. على هذا الأساس، من المرجح أن تتصرف الولايات المتحدة بدمٍ بارد، مراهنةً على عامل الوقت، الذي تعتبره أنه لا يصب في مصلحة إيران وحزب الله، بل في مصلحتها هي وإسرائيل، لأسباب عدة، أبرزها الأوضاع الاقتصادية.
في نهاية المطاف، إذا حصلت واشنطن على مبتغاها، على تسوية تلبي شروطها، لا سيما إذا تراجعت إيران تحت ضغط النقمة الشعبية المحتملة لديها، ولدى بيئة حليفها حزب الله، سيبقى كل الكلام عن الحرب حبراً على ورق. لكن ماذا لو لم تحقق العقوبات أياً من أهداف الإدارة الأميركية؟ هل ستصبح الحرب خياراً جدياً؟ هل ستشن الولايات المتحدة بالتعاون مع إسرائيل وحلفائها الإقليميين، حرباً شاملةً، على قاعدة أن حسم الصراع مع إيران والحد من سياستها التوسعية في المنطقة يتطلّبان، في المنظور الأميركي، الرجوع إلى نظرية عسكرية غربية ـ أميركية قديمة، مفادها أن لا حل إلا بقطع "الرأس المدبر" في عقر داره في طهران، أياً تكن فاتورة عملية كهذه، إنسانياً وسياسياً وأمنياً؟ أم أن الإدارة الأميركية ستعيد إحياء معادلة "اللا حرب واللا سلم" التي كان فرضها وزير الخارجية الأميركي الأسبق، هنري كيسنجر، في سبعينيات القرن الماضي، وما يعنيه ذلك من استبعاد لحرب مباشرة مع إيران، لكن من دون استبعاد حرب أو حروب محدودة ستخوضها إسرائيل يوماً ما مع حزب الله في جنوب لبنان؟
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها