الجمعة 2019/04/19

آخر تحديث: 01:09 (بيروت)

هذيان... في وصف حالتنا قبل الإفلاس

الجمعة 2019/04/19
هذيان... في وصف حالتنا قبل الإفلاس
في انتظار احتمال انهيار مالي واقتصادي وشيك
increase حجم الخط decrease

ربما لم يعد شافيًا انتباهنا، نحن اللبنانيين، إلى أننا غارقون في فقاعات هذيان يومي متواصل عن أحوالنا وشؤوننا وقضايانا العامة، الراهنة والماضية والمقبلة، تائهين في تنقلنا خبط عشواء بين دواماتها الأخطبوطية المزمنة.

ركام هذيان ساخط متذمر في زهوة النرجسي ينعى متباهيًا شاكيًا صخّابًا في فصامه ومديح النفس الفضائحي ورثاء الذات المخادع الذاهب في تواطئه ومكره متنصلًا من المهانات متشاوفًا ومتبرئًا من كل رجس في إذاعة نشرات إخبارية لزجة لاغطة وموتورة مثل السيارات نقود أرتالها متطاحنين في إطلاق أبواقها كالطعنات لتهدئ غضبنا المسعور مزهوّين في ركام الطرق وهباء العمران وانقضاض ضفادع الدراجات النارية وسط اللعنات والتشائم ومواكب الزعماء العظام وعصابات حراس مواكبهم على المنعطفات والمفارق يعطّلون السير لتعبر سيارتهم كالتماسيح في احتفال الصفائن قرب صورهم ينصبها أنصارهم في الأحياء المكتظة ليحوّلوا مهاناتهم أعراسًا يطلقون فيها مفرقعات نارية تنقل التلفزيونات مشاهدها في نشرات أخبار معسولة عن الفساد وكراهية اللاجئين والنفايات والمطامر والكسارات والسموم في مجاري الأنهر وغثيان المشاريع الأزلية لمعامل الطاقة الكهربائية وبواخرها العائمة على صفقات مالية ومياه الشواطئ فوق بلوكات النفط والغاز يتنازعون على تحويلها إقطاعات ريعيّة لإماراتهم شبه الحربية الموروثة من حروب مديدة أختتمها من ارتدى قناع المخلص وأبى إلا أن يكون "بيّ الكل" في قصر جمهوري فرَّ منه مدمرًا وعاد إليه من المنفى بعد 15 سنة فصرف أنصاره من الخدمة واستبدلهم بحاشية من المتسلقين ليجلس في القصر عرابًا واعظًا ويطلق صهره في طوافٍ ماراتوني لاهت ومسعور على المناطق والقرى والأحياء لبعث الأحقاد وتجديد العداوات باسم استعادة الحقوق السلبية لتوزيعها ريوعًا على رهطه أسوةً بسواه من أمثاله ورهوطهم المزمنة في أدوار الحواة وألعاب السيرك السلطوية البهلوانية ومناكفاتهم في مجلس النواب والوزراء لاقتسام غنائم أشرفت على النضوب فدبوا الصوت مولولين متوعدين لا يعلمون ماذا يفعلون غير توزيع حاشياتهم وأتباعهم على المناصب الإدارية على أنقاض الإدارة العامة وخرابها المديد في انتظار احتمال انهيار مالي واقتصادي وشيك لا دواء له على الأرجح بغير طباعة أطنان من أوراق العملة النقدية اللبنانية ورميها كالإعاشة بعد فقدانها قيمتها لأهل الضعف والهوان غير المحصنين بالدولارات...

هذا ركام كلام هذياني الإيقاع بلا فواصل ولا نقاط وقف ليتلاطم كتلاطم الكلام في دبيب حياتنا اليومية وهلوساتها التي تُفسِدُ جذور الكلام في عقولنا وصدورنا وحناجرنا وعلى ألسنتنا قبل تدافع ذبذباته من أفواهنا في الهواء الموبوء بعفن أعمار وأجيال كثيرة انقصفت أعمارها واقتتلت وقُتلت وتشردت وهُجّرت وهاجرت وعادت واكتأبت ثم هاجرت من جديد ولا تزال تهاجر منذ 45 سنة من اليأس والقنوط والاستنقاع والهباء وقد تخللت تلك السنوات جائحة انهيار مالي واقتصادي في النصف الثاني من عشرية ثمانينات القرن العشرين السوداء في أواسط حروب أهلية - إقليمية دامت 15 سنة وجلبت إلى احتلالين أدت "مقاومة" أحدهما بوكالة حصرية مثل تمويلها وتنظيمها إلى تحويلها جيشًا – جهازًا سريًا حصريًا في أمرة الاحتلال الآخر الذي سُمي وصاية أخوية وعندما استفاق اللبنانيون من غيبوبة وصايته الاحتلالية عليهم بعد اغتيال رفيق الحريري سارع جيش "المقاومة" السري إلى تدمير يقظتهم وتجديدهم "وطنيتهم" الضعيفة ليظلوا ممزقين وغارقين في غيبوبيتهم فافتعل حربًا مفاجئة ومدمرة مع عدوه الأزلي المحتل شريطًا حدوديًا من جنوب لبنان...

طوال الاحتلال الأخوي كان رفيق الحريري يدير مشاريعه الخاصة والمشاريع العامة وإعادة ترميم الدولة المتصدعة المفككة برشوة أمراء الحروب وبطانة ذاك الاحتلال الذي ما أن انكفأ حتى راح يرثه حزب الجيش السري لينصرف أمراء الإقطاعات اللبنانية إلى شؤونهم الخاصة في إدارة الدولة ومالها العام على جاري عادتهم وليشاركهم في ذلك حزب الحروب الدائمة وحليفة في الحنين إلى سوريا الأسد أو أسد سوريا الذي منعه من البقاء على المثال الأسدي في القصر الرئاسي فعاد إليه بعد عطش مديد ظمآنًا وشريكًا مضاربًا لبقايا البطانة الحريرية وإمارة حركة "أمل" في رعاية شريكه للحصول على حصته التي سماها حقوق المسيحيين فاكتملت بذلك الإمارات والرهوط وها هم أمراؤها اليوم يستفيقون من سكرتهم على عسر شديد وقبل رهوطهم يبشرون اللبنانيين الهاذين اللاغطين بتقشف ما قبل الانهيار الذي ربما شاركنا فيه جميعًا كلٌّ على هواه حسب مقدرته.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها