الإثنين 2019/04/15

آخر تحديث: 00:31 (بيروت)

طرابلس لسياسييها: "إنه الفقر يا غبي"

الإثنين 2019/04/15
طرابلس لسياسييها: "إنه الفقر يا غبي"
يمكن القول أن طرابلس قاطعت الانتخاب يأساً وغضباً (الوكالة الوطنية)
increase حجم الخط decrease

من صباح اليوم الإثنين، تعود ديما جمالي من مرشحة مطعون بنيابتها، إلى نائبة أصيلة في البرلمان، تحت شعار "رجع الحقّ لصحابو". بنسبة اقتراع لا تتجاوز 13 في المئة، يحتفل تيار المستقبل بعودة هذا الحقّ، الذي لا يغدو كونه كرسيًا نيابيًا، في معركةٍ خاضها رئيس الحكومة سعد الحريري شخصيًا، من أجلّ "ردّ اعتباره".

توسل الأصوات
استعادت جمالي "حقّها" بالمقعد، في نتيجةٍ كانت معروفة سلفًا. وكذلك، ردّ الرئيس الحريري اعتباره، مثلما توعّد، بنسبة اقتراعٍ لم تناهز حتى ربع أعداد الناخبين في طرابلس. 87 في المئة من أبناء المدينة قاطعوا الانتخابات. لم يصوتوا، ولم يدلوا بأصواتهم دعمًا لرئيس حكومتهم و"زعيم" طائفتهم، الذي حطّ قبل يومين في مدينتهم بطوافةٍ عسكرية، تجنيدًا لسلطته من أجل دعم مرشحته للانتخابات الفرعية. هكذا فعل قبله بيومٍ واحدٍ "رجل الدولة" رئيس الحكومة الأسبق، فؤاد السنيورة. وهكذا فعلت قبله "عمّته" النائبة بهية الحريري. وهكذا فعل يوميًا، طوال شهرٍ كاملٍ، أمين عام تيار المستقبل أحمد الحريري. وهكذا في المحصلة، تحولت عاصمة الشمال، المدينة الأفقر على حوض البحر المتوسط، إلى طوافٍ للحجّ والعمرة في توسّل الأصوات. لكن من صباح هذا اليوم، ستعود إلى فقرها، الذي وحده لم يغب عنها يومًا، وستقف على أطلال وعودٍ موهومة، لم يتحقق منها شيء، على مدار نحو 30 عامًا من الحكومات المتعاقبة.

الآن، بدأ الترويج للخطاب الآتي، تعزيرًا لـ"النصر" الموهوم وتكريسًا له: الانتخابات الفرعية عادةً لا تجذب الناخبين. لكنّ هذه الانتخابات الفرعيّة، التي حمّلوها أكثر ممّا تحمل، والتي جندوا فيها السلطة، وأرادوا من خلال "كسر حزب الله" في طرابلس، وتأمين 5000 وظيفة، وعدت بها مجددًا النائبة جمالي إلى جانب 999 ألف وظيفة، سبق أن وعد بها الرئيس الحريري، والتي روّجوا من خلالها لحلفٍ سياسيٍ عريضٍ توحيدًا لـ"الطائفة"، جذب بالكاد 13 في المئة من أصوات ناخبي طرابلس! ونالت جمالي منها نحو 8 في المئة.

حكي حسب السوق
ومن معركة "ردّ الاعتبار" إلى الفوز بمقعدٍ نيابي، في انتخابات فرعية هزيلة، بدت أقرب إلى مسرحية ركيكة، في سبيل التزكية، كسرت جمالي صمتها الذي التزمته حين كانت مرشحة، وتوجهت بالشكر لكلّ من دعمها سياسيًا، وفي مقدمتهم رئيس حكومتنا. لم يكتفِ أمين تيارها أحمد الحريري بالشكر فقط. في الأسبوع الماضي، أطلّ الحريري "الأمين" مع هشام حداد على شاشة الـ lbc، ترويجًا لجمالي أيضًا، وفي تلك المرّة عبر السخرية والضحك. وحين سُئل عن سبب استخدامه لشعارات "كسر حزب الله" أثناء جولاته الانتخابية، أجاب حرفيًا: "حسب السوق منحكي". نعم. هكذا يُنظر إلى الناس، وهكذا يجري التعاطي معهم، بوصفهم "سوقًا". وقسّ على ذلك. حين يحتاج "السوق" أن يطلقوا وعودًا انتخابية، يفعلون ذلك. وحين يحتاج "السوق" أن يؤججوه طائفيًا ومذهبيًا، لا يترددون لحشد الهمم لأداء هذه المهمة.

يوم النقمة
يوم الأحد، وحين كان يقف أحمد الحريري إلى جانب ديما جمالي داخل ماكينة تيار المستقبل في طرابلس، احتفالًا بـ"النصر المبين" في استرداد المقعد النيابي، سئُل عن رأيه في تدني نسبة الاقتراع، فأجاب: "علينا أن نقف على خاطر الناس الذين لم يصوتوا لنا، من أجل اقناعهم أن يصوتوا لصالحنا في انتخابات 2022". فهولاء الناس الذين اتخذوا موقفًا بمقاطعة الانتخابات، من دون أن يكترثوا لحملات التهويل الطائفية والسياسية التي سبقتها، وهم للتذكير 87 في المئة من أهالي طرابلس، اكتفى أمين المستقبل بـ "الوقوف على خاطرهم". أيّ أن يواسيهم. ويطبطب لهم عندما تقتضي الحاجة. وطبعًا، هو تصريحٌ يتناسب مع ما "يطلبه السوق" في لحظات مشابهة.

قد يكون هذا نموذجًا عن السياسة في لبنان، وعن قيادات وزعماء طوائف، يتعاطون مع جماهيرهم وفق مبدأ الغاية، التي تبررها جميع وسائل الاستغلال المشرعنه في أدبياتهم.

في الأمس، لم تخض طرابلس انتخابات فرعيّة، وإنّما خاضت استفتاءً على واقعها الصعب الذي لا يشبه واقع إنسانٍ في دولةٍ تحترم نفسها. كانت هذه المدينة، محطّ أنظار لبنان. زحفت نحوها جميع وسائل الإعلام، وشرّعوا الهواء لها، وعلى عارٍ تعيشه كجزءٍ لا يتجزأ من يومياتها. هو عار الفقر، والوجع، والحرمان، والمرض، والنقمة، والحاجة، والانكسار، وقلّة الحيلة. لكنّه عارٌ مكللٌ بالصحوة على طبقةٍ لم يصوتوا لها، اعتراضًا واعترافًا باستغلالها لهم.

درس عنيف
قالت طرابلس كلمتها، ودحضت كل الإشاعات. امتنع معظم سكانها عن التصويت، وهو موقف لا يزال قاصرًا عن التجرؤ في إيجاد البديل عن إمساك طبقة حاكمة بزمام أمورهم. لم تلبّ "البلوكات" بـ"الصفّارة" دعمًا لأحد المرشحين المستقلين في وجه جمالي، كما صرّح اللواء أشرف ريفي، أثناء إدلائه بصوته لجمالي، "تلطيشًا" على قوى الثامن من آذار. اعتكف أبناء جبل محسن بأغلبيتهم الساحقة عن التصويت. كذلك فعل جزء كبير من مسيحيي طرابلس.

أمّا "أهل السّنة"، التي كانت الحملات الانتخابية تُدار على ظهرهم، فسجّلوا موقفًا، هو الأقوى والأعنف. واعتكافهم عن التصويت، كجزءٍ أوليّ وأساسي من 87 في المئة لم يقترعوا في طرابلس، أسقط بالدرجة الأولى، شعار "ضرورة توحد الطائفة السنيّة"، بحلفٍ مركبٍ ومصطنع تديره المصالح، الذي لم يعد يعنيهم. لم يقتنع معظم "سنّة طرابلس"، الذي لطالما خاطبهم ريفي، بعودته إلى حضن التيار الأزرق. كذلك لم يكترثوا لتحالف جميع القوى في مدينتهم، ولا خطاب "مواجهة حزب الله". وهم فعليًا، لم يتأثروا بمصالحاتٍ لم تبرر في مضمونها أسباب شرذمتهم في سنوات ماضية من الخلافات.

هكذا، انتهت انتخابات فرعية طرابلس. ديما جمالي تعود إلى المجلس، والمدينة تعود إلى همومها المعهودة، لتتحزر إن كانت حصتها من مخصصات مؤتمر "سيدر" هي من ضمن 20 مليار للشمال كما قال الرئيس الحريري أثناء زيارته لها، أم أنّها 1.6 في المئة كما تقول أرقام مشاريع البنى التحتية المخصصة لطرابلس من "سيدر".

وقبل حلّ هذه الجدليّة، إلى جانب التحزر، كانت المنطقة الإقتصادية الخاصة في طرابلس هي "الوحيدة" في لبنان، كما صرّح الرئيس الحريري أيضًا من داخل المدينة، وقبل العودة إلى مطالب تشغيل المرافئ وتأمين فرص العمل، تبقى فرعيّة طرابلس، في 14 نيسان، درسًا حقيقيًا عن معنى "العرس الديموقراطي" للانتخابات، الذي يُنتج السلطة نفسها في لبنان.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها