الثلاثاء 2019/03/19

آخر تحديث: 00:41 (بيروت)

كمال جنبلاط، نظامان قاتلان وجريمة مشتركة واحدة

الثلاثاء 2019/03/19
كمال جنبلاط، نظامان قاتلان وجريمة مشتركة واحدة
اغتيل كمال جنبلاط لأنه رفض "العيش في سجن عربي كبير" (الأرشيف)
increase حجم الخط decrease

الهزيمة، الشاملة التي نزلت بالنظام العربي عام 1967، عادت لتتناسل في مشاريع، ووقائع هزائم بعد التاريخ المذكور. ومجموع الأنظمة "التقدمية"، التي رفعت راية تحرير فلسطين واختبأت تحت عبارة شرعية المهمة القومية الأولى، ارتدَّت بعد هزيمتها المدوية إلى الدفاع عن ركائز النظم القمعية التي أقامتها في بلدانها، ومدَّت أذرعها البوليسية، حيث استطاعت، إلى عدد من البلدان العربية الأخرى. فعمدت إلى المساهمة في قمع حركاتها، التي حملت بشائر ديموقراطية وانفتاح مجتمعي، ونظَّمت، حيث أتيح لها ذلك، قتل قادة من هذه الحركات الشعبية، واغتيال كوادر من نخبها، كان نشاطهم يفيض عن ضبط الأنظمة، ولا ينحني أمام تأثير الترهيب البوليسي "القومي"، ولا يتراجع أمام دفق الديماغوجيا الإيديولوجيا القمعية، بل ويبذل ما أمكن من فكر ومن عمل لفضح الانهيار البرنامجي العام لأنظمة الهزيمة، تلك التي رفعت رايات النصر بعد احتلال أراضيها من قبل العدو الصهيوني، فأهدت لشعوبها صمود الأنظمة، وأعلنت على الملأ فشل المؤامرة الإمبريالية الصهيونية، التي اكتفت من "الهزيمة" باحتلال الأرض، وتراجعت أمام رايات صمود الأنظمة المحتفلة بفوزها السياسي التاريخي!!

الحركة الشعبية
عام 1975 كان عام توليد هزيمة لبنانية فرعية من رحم الهزيمة العربية الأصلية. لقد تضافرت في وجه النهضة الشعبية اللبنانية قوى النظام اللبناني الطائفي، وقوى الرجعية العربية التي ما زالت رجعية حتى تاريخه، وقوى الأنظمة الخائبة المهزومة في تجاربها الاشتراكية والوحدوية والقومية.

استرجاعياً، لا يستطيع قارئ مدقق ومنصف وموضوعي، أن ينكر أن الحركة الشعبية اللبنانية قد نهضت بزخم منذ منتصف ستينيات القرن الماضي، وحتى منتصف سبعينياته، فحاولت الفوز "بربيع لبناني" كان الأهم بين ما ستشهده البلاد العربية من محاولات ربيعية، وكان المحاولة الجدِّية الوحيدة حتى تاريخه، التي طمحت إلى التغيير السلمي التدريجي لبنية النظام الطائفي الجاثم بقوة فوق صدر الحاضر اللبناني ومستقبله.

قُتلت محاولة اللبنانيين الجريئة على يد النظام اللبناني أولاً، فهذا عمد إلى الحرب الأهلية دفاعاً عن مكتسباته، وهو أقفل الباب على كمال جنبلاط، الذي كان عنواناً لائتلاف وطني جبهوي عريض، وقائداً لحركته في الشارع وتحت قبة البرلمان. النظام اللبناني المنغلق على أساسياته البنيوية رفض تقديم تنازل لشرائح عريضة من شعبه، ولم يتقدم خطوة على طريق الإصلاح الذي قاد برنامجه واحد من داخله، أي كمال جنبلاط الذي كثَّف في شخصه بعداً شاملاً من اللبنانية والعروبية والأممية والإنسانية والأخلاقية.

صيغة كمال جنبلاط
كان كمال جبنلاط، المرفوض من النظام اللبناني المتقادم اللاتاريخي بمقاييس كثيرة، ضمانة عامة للسلم الأهلي، ولغة وسطية بين اللهجات اللبنانية، وصيغة شعبية متقدمة تشبه "اللبنانية الفريدة"، وتتجاوزها في ذات الوقت إلى لبنانية أرقى، وكان كمال جنبلاط مسؤولاً عن خط ديموقراطي عريض تسنده قوى متداخلة الأفكار والعقائد والبرامج والسياسات، أي كان القائد الوطني في شخص كمال جنبلاط، مسؤولاً عن توليد ديموقراطية شعبية غنية وحيوية، تشكل بديلاً من "التكاذب الديموقراطي" الذي يعرفه اللبنانيون جيداً.

العداوة التي أعلنها النظام اللبناني لشعبه كشف الموقع المتقدم لكمال جنبلاط، بصفته قائداً للحركة الشعبية الوليدة، والحرب الأهلية التي فتحها ذلك النظام، كشفت الموقع اللبناني كله، فمدَّت أنظمة العروبة أذرعها إلى الميدان الداخلي. وكان السَّباق في مدِّ اليد النظام السوري الذي لم يحجب يوماً نواياه المعلنة في السيطرة على القرار اللبناني، واستلحاق أهل ذلك القرار بسياساته.

وجه النظام القاتل
في هذا السياق جرى اغتيال كمال جنبلاط في زمنين، إنما في سياق المرحلة السياسية الواحدة. لقد اغتيل قائد الحركة الوطنية، جنبلاط، سياسياً عندما انفجرت الحرب الأهلية، وعندما اتسعت ساحاتها لتبلغ جبل لبنان، أي النواة التي تأسس عليها الكيان اللبناني، حيث الجنبلاطية السياسية مع قاعدتها الاجتماعية مكوِّن أساسي من مكونات الكينونة اللبنانية. واغتيل كمال جنبلاط مادياً، عندما استهدفه النظام السوري جسدياً، بعد أن رفض جنبلاط الإنسان "العيش في سجن عربي كبير". النظام السوري كان الحليف الأساسي للنظام اللبناني، فهذا الأخير استدعاه في أكثر من مناسبة، ولجأ إليه في أكثر من محطة مفصلية، وتعاون معه ضد المقاومة الفلسطينية مثلما تعاون معه ضد الحركة الشعبية اللبنانية.

بعد عقد وعقود، برز وجه النظام القاتل في سوريا، بعد أن احتجب طويلاً خلف براقع تنظيمات وأسماء وهمية.. فها هو يقتل شعبه على مرأى ومسمع العرب والعالم، وبعد ذات العقود، يتأكد كل يوم وجه النظام اللبناني الطائفي التفريطي، هذا الذي يبيع كل طرف منه الوطنية اللبنانية مقابل حصته المذهبية، وبعد كل تلك السنوات ظهر واضحاً عُري الأنظمة التي قتلت حركة الشعب السوداني، الذي انقلب على جعفر النميري، رئيسه، والتي حاصرت وقتلت الشعب الفلسطيني مباشرةً أو بالواسطة، والتي قتلت كمال جنبلاط ودائماً بالاستناد إلى مقولة: صيانة وحدة وأهداف الأمة العربية..!

عن أي أمَّةٍ عربيةٍ يتحدث قتلةُ القوميةِ والعروبةِ؟

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها