الإثنين 2019/03/18

آخر تحديث: 00:29 (بيروت)

لبنان و"الثورة السورية": الحرب الأهلية خارج الحدود

الإثنين 2019/03/18
لبنان و"الثورة السورية": الحرب الأهلية خارج الحدود
خرج حزب الله من خطاب مناصرة الشعوب و"المظلومين" والتحق بالطغيان الاستبدادي (Getty)
increase حجم الخط decrease

في مثل هذا اليوم، قبل ثماني سنوات، أتت الصور والأصوات الأولى لخروج السوريين عن صمتهم الثقيل والمديد. كل ما جرى بعد ذلك "يفوق الوصف". وفي المحصلة، يبدو العالم الآن أسوأ مما كان عليه.

في البلد الملاصق، لبنان، وحين وصلت الأصداء الأولى لتظاهرات درعا ودمشق، بدا أن النزاع المبتدئ عام 2005، قد وجد امتداده الطبيعي في سوريا نفسها. الانقسام اللبناني بين فاشية مسلحة متشابكة عضوياً مع النظامين الإيراني والسوري، وتيار مدني متصل بداهة بطموحات الشعوب العربية في الحرية والديموقراطية، اكتسب ابتداءً من يوم 18 آذار ديناميكية خطيرة، مع انتعاش الآمال العظيمة بسقوط الاستبداد العربي، وبالأخص نظام بشار الأسد، الموغل بجرائمه اللبنانية.

كان خطاب حزب الله ما قبل 18 آذار السوري، ينحاز بوضوح إلى هذا التحول في مصر وتونس، لكن وفق قراءة "عقائدية" مفادها "سقوط أنظمة ممالئة للغرب". حين وصلت الثورة إلى ليبيا تبدل الخطاب من الحماسة إلى الحذر. فهو، كما الجميع، رأى أن ما يحدث في بنغازي وطرابلس الغرب هو تساقط - من الصعب كبحه - لأحجار الدومينو، على كامل الخريطة العربية. والحجر التالي على الأرجح هو سوريا تحديداً.

في تلك اللحظة، أسقط حزب الله عباءته الثورية وارتدى بدلته العسكرية. خرج من خطاب مناصرة الشعوب و"المظلومين" والتحق بالطغيان الاستبدادي. الفاشية المسلحة بلا أقنعة. وهكذا كان قرار الحزب: الدفاع عن النظام السوري مهما كلف الأمر. "سأذهب بنفسي إن تطلبت المعركة ذلك"، قالها حسن نصرالله. كان كابوس الحزب أن ينهار النظام. وحرص على عدم استسلامه، إلى حد التفكير بمنع بشار الأسد (إن اقتضى الأمر) من الهرب.

وكما هو الأمر منذ ربيع 2005، وقف حزب الله ليس فقط ضد الطموحات السياسية لأغلبية اللبنانيين، بل ضد مشاعرهم الثابتة في كراهيتها للنظام السوري، مضيفاً إليها واحدة من أعمق الصدمات التي اختبرها الشعب السوري: "المقاومة" التي لطالما احتفى بها وأيّدها، تشهر سلاحها ضده.

هكذا، بات لبنان مرشحاً، على يد حزب الله، لانتقال النزاع السياسي فيه إلى سوية الصراع المفتوح والصدام المذهبي، طالما أن معظم اللبنانيين السنّة رأوا في حرب النظام والحزب على الشعب السوري حرباً "شيعية - علوية" ضد السنّة.

ومرة جديدة، كان قرار الحزب في المشاركة بالحرب السورية، ضرباً للوطنية اللبنانية وتجاوزاً لها، وكسراً تاماً لسيادة الدولة وسلطتها، وكأن لا وطنية أصلاً ولا سيادة أساساً. وتصرف بوصفه هو وطائفته، كياناً مستقلاً في الحرب والسلم والسياسة والاجتماع، من غير شراكة مع الجماعات اللبنانية في مبدأ "تقرير المصير".

وفرض الحزب، بفائض قوته، استسلاماً من اللبنانيين للأمر الواقع، وطالب "أعداءه" منهم، أن يحاربوه هناك داخل سوريا لا في لبنان. ليس هذا حرصاً على "سلم أهلي"، بل حرصاً منه على تحديد جغرافيا "دار الحرب" وحسب.

كان يعرف حزب الله تعويل عدد راجح من اللبنانيين على انتصار الثورة السورية، للنيل منه وإنزال هزيمة لم يستطيعوا أن يحققوها هم، ولا قابلية عندهم لمواجهته إلى حد تجديد حرب أهلية مدمرة، وخاسرة سلفاً. ولذا، كان استشراسه في المقتلة السورية، إنما هو استشراس ضد خصومه اللبنانيين أيضاً. وكان يدرك أن انكساره في سوريا سيكون احتضاراً له في لبنان.

ولهذا كله، كانت هزيمة الثورة السورية، هي إلى أقصى حد هزيمة فادحة لشطر عظيم من اللبنانيين. وليس انحطاط حال لبنان اليوم، وانحدار الوطنية اللبنانية إلى قوقعات الخواف المذهبي والطائفي على نحو متقيح، سوى واحد من أوجه "انتصار" الأسد وحزب الله وفاشيتهما العدمية، التي لا تقترح علينا، لا في سوريا ولا في لبنان، سوى دوام مجتمعاتنا على مبدأ "الحرب الأهلية" وسياستها واقتصادها وثقافتها.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها