السبت 2019/02/09

آخر تحديث: 00:46 (بيروت)

"الكتلة الوطنية": انبعاث حزب لا مناصرين له

السبت 2019/02/09
"الكتلة الوطنية": انبعاث حزب لا مناصرين له
إلغاء منصب العميد ومنح صلاحياته المطلقة للجنة تنفيذية جديدة منتخبة (المدن)
increase حجم الخط decrease
الكثير الكثير من الصحافيّين والإعلاميّين والمدعوّين، وقليلٌ من الكتلاويّين. هم الحضور الذي لبّى الدعوة للإعلان عن "إعادة إطلاق" حزب الكتلة الوطنية اللبنانية. مشهد يختصر ما آل إليه جمهور هذا الحزب العريق، الذي بات كغيره من الأحزاب اللبنانية القديمة التي طواها النسيان. فصعود الأقطاب الموارنة بأحزابهم العقائدية، أو من خلال ترؤس الجمهورية، ودخول لبنان في حربه الأهلية، وهجرة عميد "الكتلة"، الراحل ريمون إده إلى منفاه الباريسي، تاركاً لبنان وسياسته، أدّت إلى انزواء الكتلة وتشتّت مناصريها بين الأحزاب المسيحية كافة، بعدما كانت أحد أركان صنّاع السياسة، أو أهم معارضي صانعيها، في أربعينيّات وخمسينيّات وستينيات القرن المنصرم. فلا غرابة، في ظل هذه المآلات، في أن يكون عنوان الدعوة الموجّهة للوسائل الإعلامية "المشاركة في إعادة إطلاق نشاط الحزب السياسي".

ورشة داخلية
تدخل إلى مركز الحزب الجديد في الجمّيزة، فتقع على ورشة إعمار قائمة، لترميم المبنى التراثي في الحيّ التاريخي لبيروت، الذي منحه أحد الكتلاويّين للحزب، كي يكون مقرّاً عامّاً رئيسيّاً، عوضاً عن مركزه التاريخي في منطقة الزوق بكسروان، حيث كان الانتشار الكبير للمنتسبين للحزب.

الغبار المتناثر على الجدران يجعل الزائر حذراً في اكتشافه المكان بغرفه المتعددة، خصوصاً إذا كان من مرتدي السترات السوداء. ورشة طلاء، وتبليط، وتمديدات كهربائية وصحّية، ومنجور.. وكل ما يحتاجه المنزل ليصبح صالحاً للسكن. وفي حالة "الكتلة"، ليصبح صالحاً لصنع السياسة.. وإعادة بناء الحزب على أسس جديدة، كما تريد القيادة، الجديدة أيضاً.

غرف كثيرة اختارت القيادة الجديدة اسماً لكلّ واحدة منها: رؤية الكتلة، ورشة الكتلة، فريق الكتلة، مبادئ الكتلة، وتاريخ الكتلة. كأنك في حضرة متحف لعرض موجودات نادرة، أو قطع أثريّة ثمينة. وما أن تنتهي من تفقّد الغرف، حتى تكتشف أن قيادة الحزب الجديدة قرّرت دعوة الصحافيين والإعلاميين إلى إطلاق الحزب في هذا التوقيت بالذات، للدلالة على أنّ ورشة إعادة الإعمار ترمز إلى ورشة تأسيس مماثلة للحزب، قيادة، وجماهير، وبرنامجاً سياسياً حديثاً.

وداعاً للعميد
وبالفعل أعلن رئيس الحزب كارلوس إده، إلغاء منصب العميد، ومنح صلاحياته المطلقة للجنة تنفيذية جديدة منتخبة، ستّتخذ قراراتها اللاحقة، وفق مبدأ الأكثرية والأقلية، أي الديموقراطية. ليس هذا وحسب، بل إنّ إلغاء لقب العميد، الذي سينزوي في غرفة "تاريخ الكتلة"، سيفتح باب الأسس الجديدة، ويقفل باب "التوريث السياسي"، كما قال إدّه. وإذا كان الأخير قد احتل منصب رئيس الحزب عوضاً عن العمادة، في المرحلة المقبلة، التي لن تمتدّ لأكثر من سنة واحدة، كما وعد، فمرد الأمر إلى ضرورة تسليم الأمانة "للجيل الجديد لتحمّل المسؤولية على أسس متينة". بمعنى آخر مرحلة انتقالية، للإقلاع النهائي عن مبدأ التوريث السياسي الذي ينكب لبنان وسياسييه. فهذه "الخطوة الجريئة"، كما قال، من شأنها الحفاظ على مبادئ الكتلة والمضيّ بالإصلاحات الحزبية.

وجرياً على مبدأ التجديد، اعتبر الأمين العام لـ"الكتلة" بيار عيسى، بخبرته الطويلة في المجتمع المدني، أنّ قيام الدولة العادلة والقادرة لا يتحقّق إلا إذا حكمت السياسة اللبنانية خمس فضائل: "المواطنة في وجه الطائفيّة؛ والنزاهة في وجه الفساد؛ ودولة القانون في وجه الزبائنيّة؛ والسيادة في وجه التبعيّة والارتهان؛ والديموقراطيّة في وجه التوريث السياسي والمصالح الشخصيّة". مُعيداً التأكيد على إيمان الكتلة بالسيادة الكاملة غير المنقوصة من خلال استرداد الحكومة اللبنانيّة قرار الحرب والسلم. ومنتقداً الأحزاب اللبنانية وتمويلها وارتباطها الخارجيّين.

التحوّل إلى حزب عصري
يريد الكتلاويّون الجدد تحويل "الكتلة"، التي يستلمونها خالية تقريباً من المناصرين ومن العمل السياسي، إلى حزب عصري وشبابي، وغير طائفي. وهذا ما تدلّ عليه هيئة أعضاء فريق العمل الجديد، وعضوية المهندسة سلام يمّوت السنّية البيروتيّة في اللجنة التنفيذية، (ألقت كلمة بالمناسبة) واللافتات التي تحمل روح الشباب المنتشرة في قاعات المبنى، والقُصاصات المصنوعة من الورق المعاد تدويره لرمزية المحافظة على البيئة. وهذا ما تدلّ عليه أيضاً دماثة الشبان والشابّات، ببدلاتهم الأنيقة، الذين تطوعوا لاستقبال المدعوين. فهم أشبه بأولئك الذين يستقبلونك على أبواب الفنادق الفخمة، ما يجعلك بعيداً كل البعد عن الاستقبالات الخشنة لعناصر الأمن و"الباديغارد" في بقيّة الأحزاب السياسية.

أما اسلوب الدعوة، وتوقيتها المتزامن مع ورشة إعادة إعمار المبنى، فهي أشبه بواحدة من الإبداعات الترويجية في عصر السوشل ميديا، بما تحمله من دلالة الإطلالة بنفسٍ عصري وحديث على الجمهور اللبناني. فهل تنجح الكتلة في الوصول إلى قلوب الناس في زمن الاستقطابات السياسيّة والطائفيّة الحادّة التي تقسمّ اللبنانيين؟ لعل الأمر متوقف على ما قاله سائق التاكسي الذي أقلني قافلاً إلى عملي، مستفسراً عن انهماكي في تصفّح كتيّب الكتلة: "ولىّ زمنهم. المهم أن يعيدوا إطلاقها بشكل صحيح عبر وضع أشخاص جيدين لخدمة الشعب، وألا يكونوا مثل بقية الأحزاب". 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها