الإثنين 2019/02/25

آخر تحديث: 00:17 (بيروت)

الفساد السياسي.. أساس فساد الوطنية اللبنانية

الإثنين 2019/02/25
الفساد السياسي.. أساس فساد الوطنية اللبنانية
في الفساد السياسي، تبدو السرقة مغلّفة بأيديولوجيا الجماعة (موقع مجلس النواب)
increase حجم الخط decrease

علا صوت الدعوة إلى محاربة الفساد، الذي نزل دار الحياة اللبنانية، وتبارى الداعون في الإشارة إلى مطارحه، وعقدوا العزم على مواجهته.. لكن ما طغى على الخطب المتداولة كان حديث الأرقام حيناً، وحديث الأوكار الفاسدة أحياناً، ودائماً من دون الإشارة إلى الأساس السياسي للفساد، الذي يعصف بالكينونة اللبناني، بصفته العامل الأول الذي تناسلت منه بقية عوامل ومظاهر الفساد التي تعصف بالوطنية اللبنانية.

لقيط على الرصيف
ركوب مركب سياسة الإشارة إلى السياسات الفاسدة، يلقي على أصحاب المركب عبء تسمية الساسة، الذين صنعوا ويصنعون خطاب الفساد، والذين يسهلون له العبور إلى مفاصل البنية الداخلية، في مستوياتها القاعدية والوسطى والعليا. التدرج من وصف الفساد السياسي إلى تعيين أصحابه، فرادى وتشكيلات اجتماعية، يقود إلى وضع اليد على أعطاب البنية الداخلية كلها، وعلى القواعد التي نهض عليها النظام اللبناني بصفته إطاراً "لمجموعات" طائفية ومذهبية، قبلت بكيانها التجميعي الجديد بصعوبة، وأقامت فيه على ارتياب، وما زالت مستمرة في تساكنها ضمن أرجائه على تنابذ وتنافر وتوجس، مما لا تخفيه بيانات العيش المشترك، ولا تحجبه أقوال المروجين للتجربة اللبنانية الفريدة.

استهلال الخوض في نقاش إعلان إرادة التصدي للفساد بالإشارة إلى أصله، هي من ضرورات استقامة النقاش الدائر، هذا كي لا يتراءى للناظر "يُتمْ" الفساد أو ضياع أصله، فيصير لقيطاً عابراً طرحته الأيام على رصيف السيرة اللبنانية.. إذن، من الأساس السياسي الطائفي المذهبي يكون البدء، وبعد البدء تتوالى سطور متن الكلام.

القرصنة الزبائنية
لقد بات معلوماً أن التشكيلة السياسية اللبنانية تدير "منظومة" فساد ذات هرمية اجتماعية، قوام هذه الهرمية عصبية المجموعة الدينية كانشطار إجمالي، وعصبيات المذاهب كتشظٍ متناثر يخترق فضاء المذاهب المتجاورة، مثلما يخترق إطار "كينونة" كل مذهب بمفرده. تحاكم العصبية المفردة مجموع العصبيات الأخرى من موقع الاستعلاء، أو من موقع الندِّية، أو من موقع المشاركة، أو من موقع الالتحاق.. وتتقرر حصة كل عصبية طائفية بالتناسب مع موقعها في التشكيلة السياسية الحاكمة والمتحكمة، فيكون مقدار الحصة المقتطعة بأساليب الفساد المتنوعة، منسجماً، حتى لا نقول موازياً، لصفة الموقع الذي يحتله صاحب الحصة.

جمع موقع الفساد الذي يحتله طيف لبناني بعينه، مع حصته التي يجنيها من استغلال قدراته "الموقعية"، يجعل تناول موضوع الفساد مسألة شائكة، يظهر ذلك في وصف مضامين الفساد، أي المنابع التي يتم منها جرّ الأرباح إلى القنوات الداخلية الأهلية، مثلما يبرز الأمر في التصدي للمشرفين على عملية "الجرّ"، وعلى قنوات توزيعها. كثيراً ما يطلق على ذلك اسم "الزبائنية السياسية"، وهذا اسم ملائم، لكن في الحالة اللبنانية يكون أكثر ملاءمة وصف ذلك بالقرصنة الزبائنية، ذلك أن ما يقتطع من موارد المال الوطني العام ومن خزائنه، تكون عملية الحصول عليه أقرب إلى مدّ اليد، أو السرقة المغلّفة بإيديولوجيا الجماعة، وبطريقة قراءتها "لحقوقها" من العائد العام، وبأساليب وخطب تبريرها لهذه اللصوصية التي تكون سرقة إذا تعلق الأمر بجماعة أهلية منافسة، وحقاً من الحقوق المكتسبة إذا تعلق الأمر بالذات الأهلية التي تلجأ إلى السرقة ذاتها.

تعايش السارقين
في سياق اللصوصية المشتركة، لا تستطيع فئة أهلية اتهام فئة منافسة لها، مثلما لا تستطيع شريحة من ضمن الفئة ذاتها، اتهام "أخواتها" من الشرائح الباقية، لماذا؟ لأن صفة السارق لصيقة بمن يقدم على السرقة، هذا بغض النظر عن حجم السرقة، وسواءً كانت ذات قيمة زهيدة، أم كانت غنيمة من "الوزن الثقيل". يتساوى السارق مع السارق، فلا يتنابذ هذا وذاك بالاتهام، وعندما تكون الجهة السارقة فئة، تتساكن في حلبة غير المؤتمنين كل صنوف الفئات الأهلية.

استفاقة أهل الحكم والتحكم فجأة ومن دون مقدمات متوقعة. لها ترجمة موضعية عملية في الحالة اللبنانية، ولها أيضاً ترجمة سياسية وعلائقية ضمن الجماعات الأهلية وضمن سلوكاتها المختلفة. أما الترجمة الشعبية، أي من الموقع الاعتراضي الشعبي، فمحكومة بردة فعل حيال ما هو مطروح أمامها من خطب لافسادية ولا إفسادية، لذلك فإن على الاعتراض وأهله، التقدم بسلسلة عناوين ومطالب تعبر حقاً عن السياسات المجدية في التصدي الترويجي للفساد، وفق خطة مرحلية متصاعدة يتضافر في بنودها الفهم المواطني والإجراءات القانونية والقضائية، والتمكين التنفيذي الذي يكون من اختصاص الأجهزة الرسمية الدولتية. وعلى سبيل الذكر والتذكير: إعلاء شأن الدولة اللبنانية لجهة السيطرة ومرجعيتها، والتنفيذ القانوني والميداني وأحادية المستوى الدولتي فيه من دون منازع، هذا الدور الرسمي هو الأساس في كل سياسة تجاوزية لسياسات المجموعات الأهلية المتفرقة. من هذا الدور والتسليم به، يبدأ الشروع بالمسير صوب كل مطارح الفساد المحمي حتى الآن بقوى ترفع شعار محاربته.

العجين الوطني
تضج المجالس اللبنانية بأخبار الإثراء غير المشروع، واستغلال النفوذ والتسلط على الملكيات العامة، بَحْرية وغير بحرية، ويتداول الكل أخبار الكل المتحكم وحاشيته لجهة التغول على المرافق، ومدّ أذرعه الأخطبوطية في اتجاه الاستثمارات العقارية والسياسية والصناعية والزراعية، ولم يعد خافياً حجم الأرصدة النقدية التي جباها أفراد وأقارب ومقربين "المنظومة السلطوية"... لكن كل ذلك لم يأخذ طريقه ليشكل بدايات حركة اعتراض جادة ما، ضد الذين تحصنوا بالفساد، فأفسدوا خميرة العجين الوطني مجمع الفقر اللبنانيين، وما زالت تفرقهم السياسات الأهلية والشرذمة الطائفية والمذهبية. لقد بات سؤال: من أين لك هذا صعباً جداً، بعد أن بدا أنه في متناول العقل الموضوعي ذات يوم لبناني.

حقاً: من أين لهم كل هذا؟ ولماذا لا يطرح السؤال وقانونه بإصرار؟ لن يجيب الفاسدون عن السؤال بمفعول رجعي، ولعلهم لن يستطيعون ذلك رغم الإعفاءات التي جعلت زمن تغريمهم يبدأ من اليوم، يوم رفع الشعار مع كثير من الإصرار... وسبق الإصرار.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها