الإثنين 2019/12/09

آخر تحديث: 00:06 (بيروت)

حدود الحركة الشعبية.. حدود النظام

الإثنين 2019/12/09
حدود الحركة الشعبية.. حدود النظام
لا يجوز القطع مع جيل مخضرم من المناضلين (المدن)
increase حجم الخط decrease

يتردد بين صفوف الحركه الشعبية اللبنانية اليوم كلام فصل هو أقرب إلى جعل زمن الاحتجاج الشعبي زمن قطع وانقطاع. ويتصرف صف من المتحركين اليوم في الشارع على أساس هذه المعادلة البترية. ترجمة هذه المعادلة في الممارسة تتخذ أشكالاً مختلفة، وتؤطرها أنماط انتظامية متعددة، وتجتهد أطراف "جمعياتية" في ابتكار تنظيرات تسوِّغ القطع الزمني من دون انتباه إلى أن البتر وهم نظري، وخطأ عملي، وإلغاء لتراكم مديد اختزنت خلاصاته الحركة الشعبية اللبنانية، منذ إعلان دولة لبنان الكبير، الذي كان خلافياً في نشأته، وما زال خلافياً بالنظر إلى أساسيات استقامته كوطن كبير، باستوائه كياناً سياسياً اجتماعياً ناجزاً.

 

وعي إقصائي

غالباً ما يدور التصرف بالزمن الحالي كأنه زمن بدء أول، وهذا فيه من السذاجة السياسية ما فيه، ويشوبه كدر وعي إقصائي، وتتخلل لغته نبرة شتيمة للماضي النضالي بالجملة، ووصف تحقيري لكل الجهود التي صنعت صورة الماضي، لا لشيء إلاّ لأن التجربة النضالية المديدة لم تصل إلى أهدافها التي كان يتقدمها هدف إصلاح وتطوير النظام الطائفي اللبناني، كخطوة أولى على طريق التغيير المديد.

 

كيف ينعكس الاتصال بذلك الماضي من قبل الذين ينادون "بالثورة"، اليوم؟ صورة واحدة هي الغالبة: لا اتصال مع جيل فشلت تجربته.. الجيل الماضي هو جيل الحرب الأهلية! أحزاب الماضي هي أحزاب غير ديموقراطية.. وما إلى ذلك من نقد تحقيري، ومن دون قراءة حقيقية للواقع الحقيقي، منذ منتصف ستينيات القرن الماضي، وحتى آخر تظاهرة شعبية بالأمس القريب.

 

تنطوي مقاربة "الشعبيين الجدد" على أمرين هامين، الأمر الأول: هو عدم إطلاع الكثرة الساحقة من الجدد على تاريخ أسلافهم، ومن ثمَّ اختزال هذا التاريخ شعارياً واستنساخاً مما تلهج به الألسن، أو يردده طيف طائفي ورسمي واسع، خرج سالماً من رياح التغيير التي استهدفته في حقبات كفاحية سابقة. أما الأمر الثاني، فهو أن التنظير الديموقراطي الجديد بات يصدر عن جمعيات "المجتمع المدني" التي من شروط دعم مانحيها إقامة فصل مفتعل بين السياسي والمدني أو الترويج لخطاب عنوانه ضد الأحزاب وضد السياسة، ومضمونه إسقاط البعد الاجتماعي بما هو بعد صراعي يقوم على أساس المصالح المتباينة، مما لا يمكن حلّه بالأساليب الجمعياتية التي يدعي القيِّمون عليها أن عملهم يقع خارج السياسة. هذا في الوقت الذي تسكن السياسة كل المواضيع التي يشتغلون بها، ويروجون لمبادئهم بالتأسيس على الجفاء لما هو سياسي.

 

تذكير راهن

لكن لماذا التذكير بذلك والشارع يضجّ بصخب الاعتراض؟ لعل السبب الأهم الذي يدفع إلى استحضار الذكرى والتذكير بها، هو الانتباه إلى أن الحدث اللبناني الراهن يخصّ الجميع، والمسؤولية عنه تقع على عاتق جيل مخضرم من المناضلين، مثلما تقع على عاتق صفوف مختلفة من المعارضين الحاليين. افتعال التصنيف لا يخدم قضية الاعتراض الشعبي، وهكذا تصرّف يطعن في مبدأ ديموقراطية الاجتماع في الشارع، والنجاح في التصنيف، أي في الإقصاء والتهميش لقوى مناضلة حاضرة بتجربتها وبقدرتها على التكيف مع الظروف الجديدة، وبالانخراط في حمل أعبائها، هذا النجاح ممتنع على طالبيه، ويحمل في طياته خطر انقسام الشارع بين مصرّ على الحصرية لأسبابه، وبين مساهم من موقع المسؤولية العامة لأسبابه أيضاً.

 

حدود المعترضين

الوعي هو الحد الأهم، ومن ثم البناء عليه. وكي لا يكون تكراراً في مواكبة حدث الشارع الشعبي المفتوح، يطال الوعي الشعار والأسلوب وجملة الأهداف وأولوياتها، ومروحة الأداء وتطويره بما يتناسب وكل سياسة نظامية مقابلة. هذا يعني أن المراوحة عند نمطية نضالية واحدة تفتح الباب على مسار التخفيف من زخم الصوت الشعبي، وهو في حال حصوله يجعل احتمال الصوت في الشارع بلا صدى ضغط في كواليس النظام، احتمالاً جدياً، خاصة مع نظام الطائفية الذي يجيد فنون "تجديد حصانته" في مواجهة كل عملية اعتراض اجتماعية. مصالحة الحركة الشعبية الحالية مع تاريخها اللبناني النضالي أساسية، فهذه المصالحة جمع قوى، وحشد خبرات، وميدان تفاعل بين خلاصات تجربة غنية حاشدة مضت، وافتتاح مسار تجربة حاشدة جديدة، تطمح إلى افتتاح وإنجاز الخطوة الأولى الجادة في ميدان التغيير الاجتماعي، الذي هو بالتعريف عملية مركبة ومتداخلة وذات أفق زمني بعيد.

حدود النظام

للنظام اللبناني الطائفي حدّ واحد. هو جامد ضمن قوقعة تخلفه الموروث، لذلك فالحديث عن حدوده، على معنى مروحة الخيارات، وتعددها لا ينطبق على وارثي "الفكرة اللبنانية" الذين درسوا في كتاب من سبقهم من مديري التشكيلة الحاكمة، فكرروا تجاهل التطورات، واستنسخوا التهديد بخطر الحرب الأهلية، وربطوا دائماً مصير الوطن بمصير مصالحهم الضيقة، وبنوع اقتسام الغنيمة اللبنانية وطريقة توزعها على مجموع الناهبين.

 

التدرج بالضغط على النظام الحالي تفرضه حقيقة ضيق حدوده، هذا يعني أن توسيع الحدود النظامية يتم بالفرض الشعبي، بحيث تصل إلى نظام المغلق إشارة مختلطة فيها معنى أن صفاقة النظام فاقت حد الاحتمال شعبياً، وفيها أن الصفاقة لا يمكن أن تكون سياسة وحيدة لديمومة استقرار النظام.

 

وما يوجب التذكير، أن النسخة النظامية الحالية هي النسخة الأردأ التي عرفها اللبنانيون، نجد أساس ذلك في أن الواقع الذي أنتج هذه النسخة كان الأردأ أيضاً في سلسله الحقبات اللبنانية.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها