الثلاثاء 2019/12/10

آخر تحديث: 00:04 (بيروت)

محاولات مكثفة لشيطنة طرابلس مجدداً

الثلاثاء 2019/12/10
محاولات مكثفة لشيطنة طرابلس مجدداً
عزل المدينة، تمهيداً للاستفراد بها (Getty)
increase حجم الخط decrease

زيارة طرابلس زمن الثورة، أشبه بإعادة اكتشاف المدينة من جديد. بالأحرى، هو اكتشاف الحقيقة التي طمسها السياسيون بألعابهم الخبيثة. اكتشاف معدن الناس وصلابتهم. زيارة المدينة هي إعادة تعريفها وإخراجها من الشيطنة التي سيقت إليها غصباً، نزولاً عند مصالح سياسيين محليين وغير محليين، حوّل تلك المساحة الجميلة إلى أرض تبادل رسائل أمنية - مذهبية -سياسية. هذا تحديداً ما سقط في 17 تشرين. وهذا ما يعمل الطرابلسيون على منع تسلّله مجدداً تحت أي ذريعة كانت.

الأجهزة وأزلامها
المدينة الخارجة إلى الحياة بعد 17 تشرين لا تُشبه كل ما كان يحاولون إلصاقه بها، وما هم اليوم على استعداد ليقوموا به مجدداً، من أجل إعادة تطويعها. مدنيّتها وتعددها وانفتاحها وقبولها لكل ما هو مُختلف، كلها لم تكن موجودة في أذهان اللبنانيين عند الحديث عن عاصمة الشمال. طرابلس بالنسبة لعديد من اللبنانيين هي مرادف للتطرف الديني. هكذا عملت الأحزاب ومعها الأجهزة على تكريس هذه الصورة، التي استغلوا فيها فقر الناس وعوزهم من أجل مصالحهم الشخصية، وهكذا يحاولون اليوم العودة إليها من الباب ذاته.

تقف المدينة اليوم كما الثورة أمام التحدي الأبرز: الصمود بوجه السلطة وأجهزتها. هذه السلطة التي هالها ما يحصل في منطقة كانوا يعتبرونها حديقتهم الخلفية، وإذ بها تتحول إلى مكسرهم. هؤلاء، يُجندون الآن كل شيء من أجل استعادة المدينة وإعادتها إلى مستنقع الخضوع. كيف؟ بالأجهزة أولاً، بأزلام هذه الأجهزة ثانياً، وبالمحازبين الذين لم يُدركوا بعد أن ما يحصل اليوم هو أكبر بكثير من حزب أو تيار، وهم أقلية أمام ناس الثورة. محاولات بدأت تتضح شيئاً فشيئاً مع مرور الوقت ومع استمرار الدفع بالمدينة لتكون منطقة معزولة عن كل ما حولها، توازياً مع ألعاب خبيثة تُمارس فيها وتحريض حزبي لجماعاتهم الذين يقتاتون على مثل هذه الأعمال.

جميل مشهد المدينة المنتفضة. لكن هذا الواقع يجب ألا يُسقط من الحسبان كيفية استغلاله من قبل الحاقدين على المنتفضين. هؤلاء يوزعون الأدوار بعناية. إذ أنهم بدأوا حملة خبيثة الهدف منها إظهار المدينة وكأنها الوحيدة المنتفضة، وأن كل المناطق الباقية تقف متفرجة. وهذا هدفه واضح: تعميم نقمة الطرابلسيين على باقي المدن، من أجل الانتقال إلى المرحلة الثانية، وهي إقناع الناس أن بقاءهم في الشارع وحيدين سيكون له ثمن غال، وبالتالي فرض تسلل الخيبة ومعها الخوف إلى نفوس الطرابلسيين، تمهيداً لإعادتهم إلى بيت الطاعة الطائفي المذهبي، مع وعود متكررة بمساعدات لم تأت ولن تأتي طبعاً.

دور ربيع الزين
إضافة إلى هذه المحاولة التي بدأت تتضح معالمها، يعود دور المدعو ربيع الزين المريب. يخرج إلى الناس ليدعوهم لحرق أنفسهم تعبيراً عن اعتراضهم على السلطة، يدعو الناس للانتحار، وليزكي حقد الناس على جلاديها، لكي يُعطي للأجهزة التي على ما يبدو هو أكثر المرتبطين بها، فرصة التسلل أكثر إلى الساحة. وتوازياً مع هذا الأمر، يستغلّ قدراته المالية من أجل تكوين مجموعات تأتمر به، مستفيداً من حاجتهم إلى المال، كما كانت تفعل السلطة السياسية تماماً. ويطلب منهم قطع الطرق وإقفال كل مداخل المدينة. أي بما معناه إقفال الطرق على الطرابلسيين أنفسهم، وهذا ما ظهر جلياً يوم الاثنين 9 كانون الأول.

قرر ربيع الزين أن يكون الحاكم بأمره هناك. لكنه ليس وحيداً ولا يعمل من تلقاء نفسه. هو محاط بمن يُعبدون له طريق عزل المدينة، تمهيداً للاستفراد بها. وهو، يلتقي مع كل التيارات السياسية التي تريد الهدف نفسه: تركيع الثورة وعاصمتها. هذا التنظيم في العزل، محط شك كبير، خصوصاً في ظل واقع عدم قدرة أي مدينة أخرى في لبنان على القيام بهذا الأمر. قدرة كانت بالأمس مدعاة دهشة، صارت اليوم محل شك. وأيضاً، ومع ارتفاع شجرة الميلاد في المدينة، هناك من بدأ بمحاولة استغلال هذا الأمر، من أجل تجييش الطائفيين ليقوموا بعمل عدواني، يُكرّس أيضاً ما تريده السلطة، ويُسهم في إعادتها إلى مربع ما قبل ثورة 17 تشرين، إلى حزام البؤس والحرمان.

طرابلس عاصمة الثورة أمام تحدٍ كبير ومفصلي في الأيام المقبلة، نأمل أن تتخطاه. الثورة أمام امتحان احتضان طرابلس والوقوف إلى جانبها، وعليها أن تنجح، لا مفر.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها