نايلة جعجع لـ"المدن": نحن في الميدان.. ولن نشارك بالسلطة

نادر فوزالسبت 2019/11/30
1 (7).jpg
المطلب الفوري: تأليف حكومة من خارج المنظومة السياسية والاقتصادية الحاكمة (مصطفى جمال الدين)
حجم الخط
مشاركة عبر

المحامية نايلة جعجع، وجه بارز في "بيروت مدينتي"، مجموعة الناشطين التي خاضت انتخابات بلدية وأخرى نيابية، وبلورت نفسها في حركة باتت تحمل مشروعاً سياسياً، تجد نفسها في صلب ثورة 17 تشرين.

قبل عشرة أيام، "تلطّخ" اسم الحركة في زيارة لقائد الجيش جوزاف عون، في ظرف ترفع فيه ساحات المعارضة الشعبية شعار "لا تَفاوض، لا حوار" مع السلطة بمختلف أطيافها ومؤسساتها. ضجّ الميدان، كما الساحات الافتراضية، بهذه "السقطة"، لتعود "بيروت مدينتي" وتوضح الحادثة، وتقدّم اعتذاراً للثورة ومن فيها، ولنفسها أولاً. فتستكمل اليوم الحركة نشاطاتها واجتماعاتها وتواصلها مع الناس، بغية الوصول إلى الحل المنشود في الوقت الراهن: تشكيل حكومة إنقاذية تعمل على وضع حد للانهيار الاقتصادي والمالي، وتعيد تشكيل الحياة السياسية في البلد من خلال انتخابات نيابية مبكرة.

لهذا كله، ولتساؤلات أخرى، كان الحوار التالي مع نايلة جعجع:

الخطأ والهجوم الممنهج
س: هل انتهت مفاعيل الأزمة التي ولدت في بيروت مدينتي نتيجة اللقاء مع قائد الجيش؟

ج: في العمل السياسي ستبقى الأزمات. نحن في هذا الجوّ أساساً وعلينا في كل مرة أن نتعلم كيف علينا معالجة المسائل بشكل أفضل. الزيارة كانت بمبادرة وبصورة فردية من أحد أعضاء بيروت مدينتي، أتت في إطار واضح جداً. إذ كان قد سبقها القمع والتوقيف من كل الأجهزة الأمنية وتحديداً مخابرات الجيش، وسبقت يوم الثلاثاء، يوم جلسة مجلس النواب التشريعية. كان ثمة تخوّف من ازدياد أعمال العنف والقمع. بمبادرة شخصية، وعن حسن نية، تم التواصل مع قيادة الجيش لقطع الطريق على ذلك.

س: والنتيجة؟

ج: بطبيعة الحال، لم تتم مناقشة الزيارة في الحركة. لم يكن البيان الأول الذي أصدرناه واضحاً، وكل الاتهامات توجّهت إليّ شخصياً، ولم أردّ على شيء. تحملنا المسؤولية، وأعدنا النظر في كل مقاربتنا للموضوع بشكل واضح، أقرّينا بالخطأ الذي وقع، واعتذرنا من كل شخص في الثورة اعتبر أنّ الزيارة أضرّت بالثورة. وبيروت مدينتي تقول من اليوم الأول إنها لا تفاوض باسم أحد ولا تحاور باسم أحد، مع التأكيد على أنّ الحركة لا تفاوض على تشكيل الحكومة. في تلك الحادثة "وصل الدب إلى كرمنا". لكن منذ أسبوع ثمة هجوماً ممنهجاً على بيروت مدينتي، من نوع أننا نحمل أجندة صهيونية، أو إماراتية، وبيانات تزّج باسمنا أننا نفاوض السلطة على الحكومة أو نجتمع مع القيادات السياسية مع حزب سبعة. نحن لا ننسق مع هذا الحزب، لا في النشاطات الميدانية ولا حتى المواقف السياسية. نحترم وجودهم كأي جهة موجودة في الساحة. تلقيّنا كمجموعة وكأفراد دعوات للتحاور مع السلطة، بشكل علني وتحت الطاولة، وذلك لم يتمّ. لأننا فعلاً مقتنعون بأنّ الناس تطالب ولا تفاوض.

س: هل عادت الثقة بين الحركة والناشطين والناس في الشارع؟

ج: لا أعتقد أن ما حصل في موضوع الزيارة الفردية لقائد الجيش أوقعت أزمة ثقة بين بيروت مدينتي والناس. هي زلّة رجل وارد وقوعها لدى أي شخص يعمل في السياسة والشأن العام، حيث لا أحد معصوم عن الخطأ. ونتمنى أن يتم تعميم سياسة الاعتراف بالأخطاء والاعتذار عنها لدى كل المكوّنات السياسية، كما فعلنا نحن في الحركة. لا نقوم بتبريرات لمجرّد التبرير أو ندافع عن خطأ وقع، بل نقول أننا أخطأنا بشكل واضح وجدي وبصراحة. الناس تتفاعل مع بيروت مدينتي، ويطلعون على رؤيتنا.

مطالب ثورية واضحة
س: ما هي رؤيتكم للخروج من الأزمة الحالية على مختلف الأصعدة؟

ج: رئيس الجمهورية يخرق الدستور بشكل يومي، وهو أمر يفاقم الأزمة. لا أعرف فعلاً إن كانت السلطة واعية أننا أصبحنا في صلب الأزمة والانهيار المالي والاقتصادي. لا يمكن لأي حل أن يكون إلا من خلال الأطر الدستورية، من خلال تشكيل حكومة تعطي الثقة للجهات والهيئات الخارجية، وبشكل أساسي تعطي الثقة للناس الموجودة في الشارع. الخطوات المطلوب تنفيذها بشكل سريع هي استشارات نيابية، تأليف حكومة من خارج المنظومة السياسية والاقتصادية الحاكمة، تكون من تكنوقراط وأشخاص يحملون رؤية سياسية للبلد، حكومة مؤلفة من فريق عمل منسجم، لأننا في مرحلة حساسة من تاريخ لبنان، تشرف على تنظيم انتخابات نيابية مبكرة لإعادة فرز السلطة السياسية.

س: ما هو البرنامج الذي تحمله بيروت مدينتي؟

برنامجنا واضح يتمحور حول مجموعة عناوين: أولاً، معالجة الأزمة الاقتصادية من خلال المحافظة على الودائع، وتنظيم الضوابط المالية على التحويلات للخارجية. إشراك المصارف المحلية في معالجة الدين العام، من دون المسّ بحقوق المودعين، تحديداً الصغار منهم. إعادة هيكلة السياسة الضريبية بشكل عادل، ومكافحة التهرّب الضريبي. إلغاء المجالس والصناديق غير المنتجة، التي تشكّل مسارب الإنفاق غير المجدي. دعم القطاعات الإنتاجية وإرساء قوانين المناقصات العمومية الشفافة، بعيداً عن المحسوبيات السياسية. ثانياً، في مكافحة الفساد، إقرار قوانين استقلالية القضاء وحماية كاشفي الفساد، واسترداد الأموال المنهوبة، إضافة إلى رفع الحصانات عن كل السياسيين والمدراء العامّين وكبار موظفي الدولة وأسرهم والمقرّبين منهم. ثالثاً، إعادة انتاج سلطة لها مشروعية من خلال إصلاحات على صعيد النظام الانتخابي وقانون الانتخابات. ورابعاً، تعزيز شبكات الحماية الاجتماعية، من خلال إقرار قوانين التغطية الصحية الشاملة ونظام التعاقد الشامل وتعزيز التنمية المحلية بمساواة في كل المناطق.

التحالف في جبهة سياسية
س: ألم يحن الوقت لتشكيل هيئة جامعة لكل المجموعات المشاركة في الثورة من أجل صياغة مشروع سياسي واحد لواجهة السلطة وطرح البدائل؟

ج: إن لم تنتج الثورة، في مرحلة ما، جبهة معارضة تتحالف وتتعاون بمستويات مختلفة، فإنّ كل ما فعلناه يمكن أن يذهب هباءً. تعلمنا جميعاً من تجارب عديدة، الانتخابات البلدية والنيابية وحِراكات قبل الثورة، أنه ليس لنا سوى الجلوس مع بعضنا والتحاور. حالياً لا نزال في صلب الثورة، التنسيق مستمر لتوحيد التحركات والخطاب، لكن ربما الأمر بحاجة إلى وقت إضافي للوصول إلى جبهة فعلية وتنظيم الأمور بشكل أكبر.

س: لماذا لا تشكّل هذه الجبهة اليوم طالما أنكم واعون لضرورة قيامها؟

ج: جهدنا الفعلي اليوم ينصبّ بشكل أساسي على حماية مكتسبات الثورة وتحصينها، مطالب الناس لم تتحقق بعد. العمل السياسي يجب أن ينضج. لا قرار بعد للتحالفات، الكل منهمك في العمل الميداني والمحافظة على زخم الناس، فلا يمكن ترك الميدان والجلوس في غرف مغلقة للاتفاق على مشروع.  هذه الثورة فرصة لنا، ويجب مأسسة محور ما، مع محافظة كل طرف على خصوصيته. يمكن القول إنّ النقاشات انطلقت لكنها لم تنضج بعد.

السلطة والعنف والرد
س: تقول بيروت مدينتي إنها لا تريد المشاركة في السلطة، كيف ذلك وأنتم حركة سياسية؟

ج: نحن حزب سياسي لكن ليست هذه السلطة التي نريد المشاركة فيها. هذه السلطة لم تأتِ من خلال انتخابات نيابية ديموقراطية فرزتها. الحكومة العتيدة هي حكومة طوارئ لا مشروعية تمثيل فيها. حكومة إنقاذ، لطاقمها مهمات محددة ومعيّنة، وليس في إطار العمل السياسي الطبيعي. لذلك نقول إنّ جدول أعمالهم محدّد. يمكن أن نكون مساعدين ومواكبين لها، إذا كانت المعايير تتوافق مع معاييرنا، لكن نحن سنكون مراقبين ومحاسبين، ومشروعية التمثيل تأتي من خلال الانتخابات.

س: بعد القمع الحزبي والسلطوي للناس، ومحاولة افتعال الفتن المتنقلة، هل بات الناس خائفون من استكمال مشوار الثورة؟

ج: إذا نظرنا إلى عفوية الناس كيف واجهت ما حصل في عين الرمانة- الشياح، مثل وقفة الأمهات التي تمّت بعفوية مطلقة، من دون تخطيط ولا تجييش أو تنظيم، فقد تمّ التجاوب معها بهذا الشكل من قبل الناس من دون خوف. ضروري أن نكون حذرين اليوم في السياسة. إن وجودنا اليوم في الشارع يمكن أن يُستغل من قبل أي طرف سياسي لتوجيه الرسائل. لذلك موقف حكيم ومسؤول أننا لا نريد قطع الطرقات هذه الفترة. فهذه وسيلة وليست غاية. وعندما يتم استغلال التحركات الميدانية من أجل زرع فتنة حرب أهلية، اعتقد أن موقفنا سليم ومسؤول. وفي لعبة شارع ضد شارع أو منطقة ضد منطقة، استطعنا التصدي لها اليوم. والناس مستمرة بهذه الروحية، أنا متفائلة.

شرط التضامن والوحدة
س: مرّ أسبوع صعب على الثوار، لماذا انت متفائلة؟

ج: لأنه إذا جرَدنا ما قمنا به في الثورة يتبيّن أننا حققنا نقاطاً عديدة. السلطة أفلست سياسياً واقتصادياً. وهي مربكة وتلجأ إلى العنف وتحاول إنتاج مشاهد حرب أهلية. خلال أربعين يوماً حققنا مكاسب عديدة، أسقطنا الحكومة وحررنا نقابة المحامين من الأحزاب السياسية التقليدية ومنعنا الجلسة التشريعية واسترجعنا الحيّز العام. الخطاب والحوار في الشارع في كل الساحات والناس تتخلى فعلياً عن الطائفية والمذهبية. وأسقطنا كل مخططات السلطة من خلال ردود فعل طبيعية من دون تنسيق. وهو أمر ممتاز.

س: إلى ماذا نحن ذاهبون؟

ج: قد تكون هذه الفترة الأصعب، الضغط كبير على الجميع، تحديداً على صعيد الوضع المعيشي والمالي. في ظرف مماثل يجب أن نكون متضامنين ومتماسكين، اليوم أكثر من أي يوم مضى. يجب أن نتماسك من دون المساومة على مطالبنا. فالسلطة تراهن على لقمة العيش وعلى تعب الناس وخوفهم لإطفاء الثورة. من الضروري أن نواجه ذلك من خلال التضامن والوحدة. سبق أن برهنا أننا قادرون على تحقيق المكاسب، وقد حقّقناها. لا تريد السلطة الاعتراف بفشلها، ولن تعترف إلا حين نحقق مطالبنا.

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

Loading...

تابعنا عبر مواقع التواصل الإجتماعي

إشترك في النشرة الإخبارية ليصلك كل جديد

اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث