الإثنين 2019/11/11

آخر تحديث: 00:36 (بيروت)

طالبوا بتطبيق القانون.. اسحبوا الملفات من أدراج النيابات العامة

الإثنين 2019/11/11
طالبوا بتطبيق القانون.. اسحبوا الملفات من أدراج النيابات العامة
القانون ليس قاصراً أمام حماية الأموال العامة.. المطلوب هو التطبيق (عباس سلمان)
increase حجم الخط decrease

استدعاء وزير المال الأسبق فؤاد السنيورة من قبل النيابة العامة المالية، بخصوص قضية الـ11 مليار دولار، شكّلت محوراً للأخبار وحتى للثوار خلال اليومين الأخيرين. فعلى الرغم من اعتياد ربط إسم السنيورة بخسارة المالية العامة لهذا المبلغ، فإن النيابة العامة لم تتحرك إلا بعد عشرين يوماً ضجت فيها الشوارع بالثوار، وسقوط حكومة بكامل التسوية التي تقوم عليها.

في سياق مواز، منح النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات الإذن إلى النيابة العامة المالية بملاحقة 13 موظفاً بينهم رؤساء بلديات، بعد تلكؤ إداراتهم بمنح إذن الملاحقة. 13 ملفاً من أصل آلاف الملفات التي امتلأت فيها أدراج النائب العام المالي منذ حراك العام 2015، والتي قاربت الـ 6000 مع نهايات العام المذكور، والتي تحتاج إلى أذونات من الوزير المختص أو من رئيس الدائرة المعنية(1). بالمقابل، قرر القاضي عويدات خلال الأسبوع الأول من الثورة اللبنانية أن يكف يد النائب العام الإستئنافي في جبل لبنان القاضية غادة عون، إثر إدعائها على رئيس مجلس الوزراء الأسبق نجيب ميقاتي وأفراد من عائلته وبنك عودة، الذي يملك أسهماً فيه بجرم الإثراء غير المشروع، على خلفية الحصول على قروض سكنية مدعومة من مصرف لبنان. أمام هذه الرتابة في الملاحقات بينما شوارع البلد ومناطقه تعج بالمطالبة بفضح الفساد واسترداد الأموال التي نهبت منهم، يصبح السؤال الملحّ: من هي الجهة التي يجب التوجه إليها.

دور النيابات العامة
إذن، قررت القاضية غادة عون أن "تتعاطف مع قضايا الناس" على حد تعبيرها، لاجئة إلى تطبيق قانون الإثراء غير المشروع للمرة الأولى منذ إقراره عام 1999. خطوة عون لم تجد إستحساناً لدى القاضي عويدات الذي تذرّع بعدم مطابقة خطوة القاضية عون لمقتضيات القانون، لاسيما لناحية الإلتزام بتعليمات النائب العام التمييزي.

تبرير عويدات لقراره يرتكز إلى عيب جوهري في تنظيم عمل النيابات العامة. إذ تخضع هذه النيابات إلى شكل من التنظيم الهرمي الذي يضع النائب العام التمييزي على رأس كل النيابات العامة الإستئنافية بما فيها المالية. يتمتع النائب العام التمييزي بصلاحيات واسعة أبرزها إعطاء التعليمات للنيابات العامة، وإحالة مخالفها إلى التفتيش القضائي. وهو ما يعني بكلام آخر تجريد النواب العامين من أي استقلالية تجاهه، وتفرّده بقرار الملاحقة من عدمها في جميع الملفات ذات الطابع العام. بالمقابل يتمتع النائب العام التمييزي بصلاحية منح الإذن بالملاحقة بالنسبة للموظفين عندما تمتنع السلطة الإدارية التسلسلية عن ذلك. وهو تحديداً ما حصل في الملفات الـ13 سابقة الذكر. والحال أن هذا العيب القانوني (والذي لا بد من أن يكون موضوع تعديل لاحقاً، في سياق إقرار قانون يعزز إستقلالية القضاء) يتيح تفرّد النائب العام التمييزي في القرار. وإذا كان هذا يعني شيئاً، فهو كونه جهة أولى يتوجّه إليها الثوار مطالبين بإجراء ملاحقات جدية، واتخاذ كل الإجراءات التي تعيد للمالية العامة ما هدر ونهب منها. فهل يستجيب القاضي عويدات؟

القوانين موجودة، التطبيق قبل التشريع
بعد تبيان العامل القانوني الأساسي الذي يعرقل دور النيابات العامة الإستئنافية، فإن النيابة العامة التمييزية تكون بذاتها أمام استحقاق تطبيق القوانين لإستعادة "الأموال المنهوبة". والحال أن القانون اللبناني يتضمن أحكاماً ليست قليلة يمكن للقاضي عويدات أن يستند إليها اليوم قبل الغد. واليوم أيضاً قبل الثلاثاء (12 تشرين الثاني 2019)، تاريخ الجلسة الموعودة لإقرار تشريعات تشبه بمفعولها حالياً ورقة الإصلاحات التي طرحها الحريري.

لدى القاضي عويدات، إذن، قوانين عديدة، أبرزها وأكثرها إنسجاماً مع الحاجة لتجميد أموال السياسيين وحماية الاقتصاد من تهريبها، قانونا "الإثراء غير المشروع" سابق الذكر، و"مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب" الصادر عام 2015 (قانون رقم 44).

وفقاً للقانون، يعتبر الإثراء غير مشروع عندما يحصل عليه الموظف أو القائم بخدمة عامة والقاضي أو كل شريك لهم في الإثراء بأي وسيلة من الوسائل غير المشروعة، وإن لم تشكل جرماً جزائياً. أيضاً، الإثراء الذي يحصل عليه بالإضافة إلى الجهات المتقدم ذكرها، الأشخاص الطبيعيين أو المعنويين سواء عن طريق الاستملاك أو عن طريق نيل رخص التصدير والاستيراد، أو المنافع الأخرى على اختلاف أنواعها، إذا حصل خلافاً للقانون. أيضاً، يعتبر إثراء غير مشروع نيل أو سوء تنفيذ المقاولات والامتيازات والرخص الممنوحة من أحد أشخاص القانون العام جلباً للمنفعة، إذا حصلت خلافا للقانون. ويشمل القانون من خلال مفهوم القائم بالخدمة العامة، كل من أسند إليه بالانتخاب أو بالتعيين رئاسة الجمهورية أو رئاسة مجلس النواب أو رئاسة مجلس الوزراء أو الوزارة أو النيابة.

التحرر من الحصانات
يعتبر قانون الإثراء غير المشروع أن مجرّد تملك المشكو منه بصفة مباشرة أو غير مباشرة من خلال أشخاص يحددهم القانون نفسه، أموال لا تمكنه موارده العادية من تملكها، قرينة جدية على الإثراء غير المشروع. ويعتبر قرينة جدية أيضاً، مظاهر الثراء التي لا تتفق مع تلك الموارد.

أما بالنسبة للملاحقات، فإن قانون الاثراء غير المشروع واضح لجهة أن الأذونات الجزائية والتراخيص المسبقة لا تحول دون الملاحقة الجزائية بموجبه، ولا قيد على تحرر هذا القانون من الحصانات إلا أحكام الدستور. والدستور يحدد حصانة النواب بالنسبة لإبداء آرائهم، بينما لا يمنح الوزراء حصانة خارج أداء وظيفتهم، فيما يحصر إمكانية ملاحقة الرؤساء بقرار يصدر عن مجلس النواب. وإن كان قد نشأ سابقاً أي نقاش حول حصانات هذه الأطراف في سياق تطبيق قوانين عدا الإثراء غير المشروع، فإن نص هذا القانون يأتي واضحاً بما يلغي احتمالات توسيع نطاق هذه الحصانات.

من الأدوات الأساسية التي يمكن للقاضي استخدامها حالياً لحماية الأموال العامة، هي إمكانية أن يأمر عفواً بحجز أموال المشتبه بثرائه غير المشروع احتياطياً، سواء المنقولة أو غير المنقولة.

يعتري قانون الإثراء غير المشروع ثغرة لناحية مغالاته بالحفاظ على سرية المعلومات المالية المصرح عنها من قبل الموظفين والرؤساء والقضاة. هذه الإشكالية، يذللها قانون "مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب عام 2015"، والذي أُنشأت بموجبه "هيئة التحقيق الخاصة لدى مصرف لبنان"، ومن ضمن مهامها التجميد النهائي للحسابات أو العمليات المعنية، ورفع السرية المصرفية لصالح المراجع القضائية المختصة، ولها الحق بوضع إشارات على القيود والسجلات العائدة لأموال منقولة أو غير منقولة، تفيد أن الأموال هي موضوع تحقيق من قبل الهيئة، وتبقى هذه الإشارة قائمة إلى حين زوال أسباب الشبهات. وقد لجأ نادي القضاة منذ اللحظات الأولى للثورة إلى هذا القانون، سعياً لوضع إشارات إحترازية على الأموال المتخوف من تهريبها، وهذه مسألة يفرد لها مقال لاحق.

إذن، القانون ليس قاصراً أمام حماية الأموال العامة، ومحاسبة من امتدت يده إليها. على العكس من ذلك، فإن القصور يكمن في التطبيق. هذا التطبيق حاولت أن تبدأه القاضية عون، وهذه الخطوة في القانون لا يمكن انتقادها لو نظر إليها من باب الصالح العام، بعيداً عن الحسابات السياسية. بكل الأحوال، اليوم يملك القاضي عويدات أن يكمل ما بدأته القاضية عون بتطبيق قانون الإثراء غير المشروع. فلماذا ينكفئ عن ذلك، لاجئاً إلى ملاحقة بعض رؤساء البلديات، بينما القضايا الكبرى المتعلقة بالحقوق الأساسية لكل المواطنين متروكة.

السكن والكهرباء
بكف يد القاضية عون عادت قضية الإسكان، مع ما أنتجته من حرمان لشبان وشابات على صعيد الحق بالسكن، إلى الأدراج. تقبع أيضاً إلى جانب قضية معامل الكهرباء العائمة أو بواخر الكهرباء. إذ أن الرئيس المستقيل سعد الحريري سحب ملف البواخر من الأدراج، ووضعه على ورقة إصلاحاته، فيما لا يزال النائب العام التمييز غائباً عنها.

من جديد وقف الحريري يكرر وعد تطبيق خطة الكهرباء، التي كان هو وباسيل عرابيها الأساسيين، وذلك "خلال 4 أشهر"، متناسياً كل ما أثارته إدارة المناقصات في تقارير موثقة لناحية شبهات الفساد البارزة في هذه الصفقة. وفيما كان النائب العام المالي علي إبراهيم سبق له أن استدعى بداية عام 2018، خلال شهر شباط تحديداً، منسق المرصد اللبناني للفساد شارل سابا ليستلم منه كل الملفات الموجودة بحوزة المرصد حول موضوع البواخر، لجهة الملفات القانونية والمخالفات المالية التي حصلت. ولا بد من التذكير أن إدارة المناقصات أبرزت في تقريرها وقتها، كيف أن دفتر الشروط الذي وضعته وزارة الطاقة، وكان على رأسها سيزار خليل، مطابق لشركة واحدة، ما يتعارض مع شرط المنافسة. نجح وقتها مدير عام المناقصات أن يتصدى لهذه الصفقة، ليبقى السؤال في عهدة النيابة العامة المالية وقبلها التمييزية عن الملاحقة التي لم تجرِ بعد، وليكبر السؤال اليوم، أين تقف النيابة العامة التمييزية من مطالب الشارع؟ لماذا لا تبدأ بالملفات المتعلقة بحقوقه الدنيا، كالسكن والكهرباء.
(1): إلهام برجس، حديث مع النائب العامّ المالي: منظومة الحصانات فاسدة، واللجوء إلى الإعلام استراتيجية ضرورية، المفكرة القانونية، 7 كانون أول 2015.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها