الأحد 2019/11/10

آخر تحديث: 00:19 (بيروت)

اعتصام أمام وزارة الخارجية: اغتراب العونية وفصامها

الأحد 2019/11/10
اعتصام أمام وزارة الخارجية: اغتراب العونية وفصامها
رداً على محاولة اختراق ساحة المنتفضين (الوكالة الوطنية)
increase حجم الخط decrease

أمام وزارة الخارجية تجمّعت شلّة من الأصحاب والأصدقاء، كانت قد تلقت دعوة عبر "واتساب" للاعتصام يوم السبت، عند العاشرة صباحاً: "لأن الوزارة ليست مرفقاً عاماً بخدمة الوزير وجماعته". تبعتها شلّة ثانية وثالثة. وانضمّ أفراد إلى المجموعة، اندفعوا بفعل التغطية الإعلامية. ظلّ العدد خجولاً مقابل جيش من عناصر مكافحة الشغب أحاط المعتصمين، وأقفل مدخل الوزارة، الذي لم يكن في بال المعتصمين دخوله أساساً.

الرسالة واضحة: وقفة رمزية احتجاجية على أداء الوزير جبران باسيل. أي أداء؟ في الوزارة التي استغلها كأداة سياسية طوال عامين وأكثر، لاستقطاب المغتربين- وليس المنتشرين حسب تعابيره- الذين انتفضوا عليه حول العالم أساساً. ثم أنه حوّل الوزارة إلى مرفق خاص ينطلق منه في جولات سياسية داخلية، أثارت البلبلة نتيجة مواقف طائفية وعنصرية، وخطاب يعود إلى زمن الحرب الأهلية في معظم المحطات التي زارها. وطبعاً، أداؤه المتحوّل والمتطوّر من "صهر الجنرال" إلى "وزير النكاية" (وعرقلة تشكيل الحكومات)، ثم إلى الناطق الرسمي في القصر الرئاسي. في هذا القصر بات يعقد الاجتماعات الخاصة والسياسية، ويطلّ في مؤتمرات صحافية، يفاوض على تشكيل الحكومة العتيدة، أو بالأحرى يعرقل تشكيل الحكومة من خلال التمسّك بخيار توزيره. عدا إصراره على تشكيل حكومة سياسية، لا تعكس رغبة الشارع المنتفض في كل لبنان.

"الكائنات" العونية
والأهم من كل ذلك، أنّ هذه الوقفة الرمزية جاءت لتؤكد على شعار "كلن يعني كلن". باسيل وتياره في السلطة منذ عام 2006. هم جزء منها وامتداد لها، ولمشاريعها وللفشل الواقع في البلاد على مختلف الأصعدة. ومن المهمّ أيضاً القول إنّ هذا الاعتصام ردّ واضح على باسيل ومسؤولين في التيار الوطني الحرّ الذين يحاولون منذ أيام فتح باب التواصل والتشاور مع المجموعات الناشطة في انتفاضة لبنان. وبلغة أوضح، يحاول باسيل وفريقه خرق صفوف المنتفضين، من خلال أفراد، من باب "جمع الساحات" الذي دعا إليه الرئيس ميشال عون قبل أسبوع. فتم قطع الطريق على هذه المحاولات.

كيف يمكن القبول بمناقشة التيار الوطني الحرّ ومسؤوليه أو أنصاره؟  كان ذلك مضنياً قبل الثورة، وبات بائساً. هذه "الكائنات" ضائعةٌ في هويّتها وانتمائها أصلاً. جمهور يريد كل شيء، السلطة والمعارضة. يبغى الربح السريع (في الثروة والشعبية وكل المجالات) ومكافحة الفساد (المالي والأخلاقي وغيرهما). يريد الشرعية ويحتمي بسلاح حزب الله، يدخل المنظومة ويشتمها. جمهور قادر على تبنّي أي شعار أو خطاب "كاتشي"، ينفضه يعسّفه ويقولبه ويتبنّاه. جمهور وتيار يثبّتان الفرضية القديمة لـ"الطفل الوحيد" في علم نفس والاجتماع، بين حب التملّك والظهور والسيطرة وتحقيق المآرب بأي ثمن.

سكيزوفرينيا
جمهور، فعلياً، وحيد وضائع في هويّته. جمهور مسيحي أو علماني؟ يريد المحاصصة أو دولة مدنية خارج القيد الطائفي؟ ينتمون لتيار يدّعي أنه عابر للطوائف، لكن زعيمه الرئيس ميشال عون "زعيم المسيحيين من طنجة إلى الموصل"، يعيق توظيف المئات لمعايير طائفية. هم جمهور المسيحيين والطائفيين والعلمانيين. هم كل شيء. أما في العنصرية، فبحث آخر. يتربّعون في الصدارة ويقدّمونها على أنها وطنية.

يتمثّل جمهور التيار الوطني الحر برئيس الجمهورية وكتلة من 27 نائباً وأخرى وزارية من عشرة وزراء. يتحكّمون بالسلطة لكن يتعاملون كما لو أنهم يعارضون من داخلها: "ما عم يخلّونا"، يقول وزراء التيار، وكذلك يردّد الجمهور البائس عندما يُحبس في بيت "اليِك". هم الضحية، أيضاً.

يبحثون، كما دائماً، عن معركة يخوضونها للبقاء أحياء في الحياة السياسية. وفي أي زمن أو مكان، اسم العدو معروف: القوات اللبنانية، بما فيها من نبش لزمن الحرب. وهذا الجمهور المتعطّش دائماً للتمسّك بـ"الشرعية"، تحديداً الجيش، يجد نفسه اليوم في موقفه المبدئي الداعم للمؤسسة العسكرية، لكن مع معارضة قيادتها. جمهور مع الجيش لكن ضد قيادته!

عامل سكيزوفرينيا يضاف إلى الحالة النفسية العونية. عامل موجود في الأساس من خلال الوجود في السلطة والتظاهر في الشارع في الوقت نفسه. سكيزوفرينيا رفضتها كلودين عون روكز من قلب البيت العوني، بالقول الآتي: "أقدّر كل العونيين والمنتمين إلى التيار ممن شاركوا في تظاهرة.. إنما في ما يتعلق بي، فمن غير المنطقي أن أشارك في هذا التحرك، أنا في السلطة فكيف يجوز أن أتظاهر دعماً لنفسي"؟

من هي قيادة "التيار"؟
كان مشهد الحشد العوني- الباسيلي باهتاً. لم يجرؤ من خلاله العونيون، وهم أنصار الأرقام والدقة، على تحديد حجم الجموع. فعلى الرغم من الدعوات والتجييش جمعوا بضعة آلاف فقط. يعيش التيار الوطني الحرّ في "خَسّة" كما يقال بالعامية. يقفلون الأوراق عليهم ويعيشون في خسّة الفصام.

وبعد الفصام يأتي الانقسام. في التيار وبين أنصاره أيضاً، معركة داخلية عبّر عنها صراحةً رئيس التيار وصهر العهد الوزير جبران باسيل بقوله إنه "في الأزمات الكبيرة يا رفاقي، يظهر أمران: الخوف ونستطيع فهمه، والخيانة ولكن لا مبرر لها.. يجب ألا يكون بيننا خائف ولا خائن". والمقصود واضح: عديله، النائب شامل روكز. وليكتمل مشهد الفصام، جمهور التيار الوطني الحر مع باسيل والنائب شامل روكز أيضاً، ومع قيادات أخرى بدأت تنتفض داخل التيار نفسه. وفي هذا الإطار، قد يكون من المجدي ردّ طلب الرئيس بتعيين قادة للثورة بهدف الحوار، بطلب معاكس للتيار الوطني الحرّ لتحديد قيادته للتحاور معها.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها