الإثنين 2019/10/21

آخر تحديث: 15:40 (بيروت)

خطة السلطة اللبنانية لإخماد الانتفاضة بالترهيب والخداع

الإثنين 2019/10/21
خطة السلطة اللبنانية لإخماد الانتفاضة بالترهيب والخداع
السلطة تسعى لمحاصرة التظاهرات والاعتصامات والسيطرة على الطرق (مصطفى جمال الدين)
increase حجم الخط decrease

ما حدث في لبنان هو نقطة تحول لا رجوع عنها. ما من مجال للتراجع. والمعركة أصبحت مكشوفة. حتى وإن قمعت التظاهرات حالياً، فلا بد أن تتجدد فيما بعد. ما كسره اللبنانيون أكبر من المتوقع. وما حدث هو ثورة على القهر والظلم، أكثر مما هي انتفاضة بسبب أوضاع اقتصادية واجتماعية.

الحلف الحاكم
بعد صناعة المشهد المليوني، ظهر جلياً أن السلطة الحقيقية بيد حزب الله، الذي رفض إسقاط الحكومة والعهد. التحالف "الاستراتيجي" الحاكم هو حزب الله مع رئيس الجمهورية. لديه أذرع تنفيذية هي السلطة التشريعية برئاسة الرئيس نبيه بري، والذراع الثانية الوزير جبران باسيل، الذي يمتلك أحد عشر وزيراً وقادر على تسيير الحريري في كل المجالات. هذه التركيبة السياسية هي المسؤولة عن الأزمة الحالية. صحيح أن هناك تراكمات مزمنة تتعلق بتركيبة النظام، تسبق عون وباسيل وحزب الله. لكن لبنان منذ التسوية الرئاسية دخل في طور جديد من التأزم، على قاعدة السطو على السلطة وتعطيل كامل للدستور والمؤسسات والدولة، بخطاب تحريضي عنصري وطائفي ومتعجرف أدى إلى الانفجار.

المشكلة الأساسية هي معضلة سياسية يجب إصلاح الخلل فيها، كمدخل إجباري للإصلاح. وهذا ما يغيب عن باسيل. فيما الرئيس سعد الحريري (الذي قال مراراً أن "السياسة وجع رأس") يحصر اهتمامه بالحفاظ على منصبه وحكومته ومعالجة الوضع المالي أو الاقتصادي. وهو يفكر أنه يحمي نفسه عبر تقديم التنازلات السياسية. هذا في حقيقته خطأ قاتل، لأنه في مواجهة مشروع راديكالي لن يستمر بتوفير الحماية له على المدى البعيد.

شرط التغيير
هناك أزمة اقتصادية واجتماعية ومعيشية. اللبنانيون يعيشون أزمة اجتماعية بالدرجة الأولى، تليها الأزمات الاقتصادية والمالية. والمشكلة هي تغييب الملف الاجتماعي، من الصحة إلى التعليم والخدمات والرعاية والإنماء المتوازن وغيرها من القضايا، بينما عقل السلطة محصور بكيفية تخفيض العجز، بعيداً عن هموم الناس الحقيقية والعميقة.

هذه السلطة هي التي خوفت الناس من الوضع وانهياره. ودفعتهم إلى الانتقال من الخوف والتردد إلى الفعل والمبادرة. إذ شعر المواطنون أن النظام بات خطراً على مستقبلهم ولا بد من مواجهته. 

الصدام سياسي أصلاً، وإن بالتلازم مع الأزمات الاقتصادية والاجتماعية. بل لا يغيب عن بال اللبنانيين الاستدعاءات إلى مكاتب جرائم المعلومات وتركيب الملفات، وانتهاك استقلالية القضاء، وتجاوز الدستور، والإمعان في المحاصصات من أدنى الوظائف إلى أرفعها. وهذه تعبيرات عن نظام مأزوم وفاسد. وعلى هذا، تحول الاحتجاج بديهياً إلى انتفاضة سياسية.

"الإصلاح" ما عاد اقتصادياً بل صار يطال المنظومة السياسية. صار مشروطاً بـ"التغيير".

لم تنتبه هذه الطبقة الحاكمة إلى سوء سلوكها، فكانت تستسهل إذلال الناس واحتقارهم. مثالاً على ذلك تصريحات وزير البيئة من طراز "ما بدي إسمع صوتكم.."، إلى فداحة كلام ماريو عون عن الحرائق، وصولاً إلى سجل خطاب الكراهية الذي يستخدمه باسيل على نحو مفضوح واستفزازي. بل حتى سلب حقوق الناجحين في مجلس الخدمة المدنية تحول إلى مادة للنقمة العامة، بالإضافة إلى المصاريف الهائلة على الوفود والسفر والجولات التي تنتهي حول العالم، بالإقتران مع تصاعد مظاهر الأزمة المعيشية، من إضرابات الأفران ومحطات الوقود والذعر من الأسوأ. كل ذلك أدى إلى هذا الانفجار الاجتماعي والسياسي.

المواطنون انتقلوا من حال الإحباط والشعور بالمهانة واليأس إلى حال الغضب والنزول إلى الشوارع. من الواجب الآن هو وضع برنامج سياسي حقيقي، ينطلق من الأفكار التي يطرحها المتظاهرون، سواء في السياسة أو في الاقتصاد، يبدأ أولها بوضع قانون انتخاب حديث يليق بطموحات اللبنانيين، كمقدمة لتطوير الحياة السياسية. أما الفعل المباشر الأول فهو في إسقاط الحكومة، مع ما تعنيه من إسقاط للتسوية الرئاسية التي أدخلت لبنان في هذا النفق. بعدها يبدأ النقاش الحقيقي لصوغ البرنامج "التغييري"، الذي يكرس إصلاحات قضائية، وإعادة تعيين مجلس دستوري مستقل، وتشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية.

الهجوم المضاد 
منذ اليوم الأول للاحتجاجات كانت السلطة لا تفكر إلا في إنهاء التحرك، عبر طرح "الخطة الإصلاحية"، وهذه هي الخطة (أ) لتجاوز الأزمة. أما بحال فشلت هذه الخطة لإعادة الأمور إلى نصابها، فقد بحثت السلطة بالخطة (ب) أي إجراء تعديل وزاري بعد استقالة وزراء القوات، لأن هناك قناعة بعدم القدرة على إقالة الحريري، فباستقالة حكومته قد لا تتشكل حكومة جديدة. لذا، لديهم قناعة أنه من الأفضل بقاءها وتعديلها. وقد حدثت نقاشات حول إجراء تعديل وزاري، فبالإضافة إلى إستبدال وزراء القوات، تم طرح إقالة بعض الوزراء كوزير الإتصالات محمد شقير، وزير البيئة فادي جريصاتي، وعدم التضحية بالوزراء الأساسيين، لا بجبران باسيل ولا بعلي حسن خليل.

الأمر الآخر الذي تسعى إليه السلطة هو التركيز على الوضع الأمني وضبطه، وهناك قرار بمنع استمرار إقفال الطرقات الرئيسية. الإعتصام مسموح في وسط البلد وحسب، لكن إقفال الطرقات خطّ أحمر. أما الخيار المقبل، بحال استمرت التظاهرات، لجوء أركان السلطة إلى استخدام شارعها في مقابل الشارع المعارض، وفرض معادلة شارع مقابل شارع، ولعبة من هو صاحب الشارع الأكبر. خصوصاً ان السلطة وأركانها لن يتركوا الشارع أو المشهد للآخرين.

الهجوم المضاد من قبل السلطة بدأ. وهناك استراتيجية يتم وضعها، لدك إسفين بين المحتجين ووضع الناس بوجه بعضها البعض (شهدنا هذا في مناطق بعلبك والجنوب خصوصاً)، بهدف تكفيك وحدة الانتفاضة وضخ شعارات متناقضة مع حملة إعلامية وبث شائعات، بالتزامن مع انعقاد جلسة الحكومة.

بالمقابل، اللبنانيون اليوم أمام فرصة قد لا تتكرر، من أجل إحداث تغيير تاريخي. عليهم البقاء في انتفاضتهم والتجهز لمواجهة كل أساليب القمع، وعدم السماح للسلطة بشق صفوفهم وإحباط معنوياتهم. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها