الجمعة 2019/01/25

آخر تحديث: 00:03 (بيروت)

"الثلث المعطّل" بدعة سورية والرئيس ليس فريقاً في الحكم

الجمعة 2019/01/25
"الثلث المعطّل" بدعة سورية والرئيس ليس فريقاً في الحكم
كيف يُعقل أن يُطالِب من هو الضمانة بحصّة ضامنة أو معطلة؟
increase حجم الخط decrease

عاد تكتّل "لبنان القوي" إلى سجال تأليف الحكومة، من باب التلويح برسالة رئاسية إلى البرلمان، ومشدّداً على إمهال كلّ الأفرقاء أسبوعاً حاسماً، وطارحاً صيغة الـ 32 وزيرا كمخرج يناسب الجميع، ومتشبّثاً بـ"الثلث الضامن" أو "المعطّل"، تحت شعار أنّ "اتفاق الطائف قد أقرّ هذا المبدأ للمسيحيين تعويضاً عن الصّلاحيات التي انتُزعت منهم"، ما يمكّن الرئيس من تجميد أي قرار حكومي لا يريده، وصولا إلى تطيير الحكومة. فهل يكرّس الدستور اللبناني فعلاً هذا المبدأ؟

ضمانة الرئاسة
"موقع رئيس الجمهورية الدستوري فوق كلّ الحصص"، يؤكد "عرّاب الطائف" الرئيس حسين الحسيني، فهو "رئيس الدولة وكل السّلطات، والذي يشكّل بتجردّه وترفعّه ضمانة للجميع. وبالتالي، حيازته على الثلث معطّل، تعني تلقائيّاً الانتقاص من صلاحياته، ليصبح الطرف الأضعف، ما يشرّع رفع الحصانة عنه، إذ لا سلطة من دون مسؤولية".

لم يأتِ اتفاق الطائف على ذكر مبدأ "الثلث المعطّل"، لا من قريب أو بعيد. "فكيف يُعقل أن يطالب من هو الضمانة بحصّة ضامنة أو معطلة"؟ يسأل الحسيني، خصوصًا أنّ الدّستور "منحه من الصّلاحيات ما لم يمنح لغيره من الرئاستين الثانية والثالثة. فرئاسته الممنوحة له من الشعب اللبناني، بواسطة من ينوب عنهم، غير قابلة للعزل، وهو الوحيد بين الرئاسات الثلاث من يؤدي قسم الحفاظ على الدستور، وبالتالي الرئيس فوق الحصص وفوق الإصطفافات، لأنه رئيس كل لبنان، وإن كان آتيًا من بين صفوف حزب أو طائفة أو مذهب".

رواية الحسيني
يروي الحسيني كيف كانت صلاحيات رئاسة الجمهورية، قبل الطائف، مُبهَمة، لأنّ رئيس الدولة الفعلي كان المفوض السامي الفرنسي، الذي يمسك بيده السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية. فكان هو من يعيّن رئيس الجمهورية، بالإضافة إلى ثلثي أعضاء المجلس النيابي. وبعد استقلال لبنان في العام 1943، لم يتم تعديل الدستور ليصبح رئيس الجمهورية رئيس الدولة، بل بقي بمثابة رئيس حكومة. إذ اكتفوا وقتها بنقض صلاحيات المفوض السامي وحذف النصوص المتعلقة بالانتداب، من دون أن يؤدّي ذلك إلى تحويل الدستور إلى برلماني ديموقراطي. لتصبح الممارسة وفق الاستنتاج. أما بعد الطائف، فاعتمد النظام الجمهوري الديموقراطي البرلماني، الذي أكّدت عليه مقدمة الدستور، والذي بات قائماً على مبدأ الفصل بين السلطات. وعليه، أصبح رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة وكل السلطات، الذي توجّب عليه أيضاً تشكيل خط الدفاع الثاني عن النظام والكيان.

إذاً، "الثلث المعطّل يشكّل ضرباً للاتفاق الوطني الذي حصل في الطائف"، يقول "أب الطائف"، ناقضاً كلّ الادّعاءات والمزاعم، بشأن إعادة العرف الذي وضعته اجتهادات اتفاق الطائف التحضيرية، والقاضي بإعطاء "الثلث المعطّل" لرئيس الجمهورية، تعويضاً عن الصّلاحيات التي انتُزعت منه.

الخيار المصيري
ويوضح النائب السابق بطرس حرب، الذي شارك أيضا في الطائف، أنّ "تكريس تجربة الثلث المعطّل هو التفاف وانقلاب على الطائف، وضرب للنظام الديموقراطي القائم في لبنان، وكذلك هو نقض للحكم على قاعدة الأكثرية الموصوفة، التي يقوم عليها نظامنا التوافقي. كما نرفض أن يتحوّل هذا النظام إلى نظام آخر يترتّب على صدور كل قرار أن يستند إلى إجماع اللبنانيين، على نحو يمكن لأي طرف أن يعطّل أي قرار. وهذا ما نرفضه في المطلق".

في هذا السياق، يعرب حرب عن استغرابه هذا الطرح "بعد خسارة عشرات الآلاف من الضحايا في حروب عبثيّة في لبنان، والتوصّل إلى اتفاق وطني حدّد الخيارات الوطنية حول القضايا المصيرية. فالخيار الذي يطرح اليوم مصيري، ويتمحور على ما اذا كانت ستبقى الدولة هي صاحبة القرار باسم اللبنانيين، أم أن القرار سيبقى خارج إطار المؤسسات الدستورية المنبثقة من الإرادة الشعبية، وفي يد الأحزاب، منها المسلّح ومنها غير المسلّح، وبالتالي على حساب الدولة اللبنانية".

بدعة سورية
المرجع الدستوري حسن الرفاعي يرى أنّها "كلّها بدع واختراعات. رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة وليس فريقا في الحكم". فعلى رغم من مآخذه على وثيقة الطائف، اعتراضاً على بعض التعديلات التي أجريت عليها، وامتناعه عن المشاركة في التصويت في اجتماع جدّة والقليعات، "إلا أنّني أجد نفسي اليوم، يقول الرفاعي، وبعد أن أصبحت هذه التعديلات دستوراً، الأكثر حرصاً على الالتزام بتطبيق الطائف حتى تغييره. فهذا دستورنا. والدستور هو أعلى وثيقة قانونية في الدولة". ويشدّد الرفاعي في هذا الإطار، على أنّ "الثلث المعطّل الذي يكرّس الفدرالية الطائفية والمذهبية، كان بدعة سورية، إذ شكّل أحد بنود الاتفاق الثلاثي، ولم يرد أصلا في اتفاق الطائف".

ويختم الرفاعي: "عيب على هكذا سياسيّين لا يجيدون سوى مخالفة الدستور، والإطاحة ببنوده، باستهتار ولامسؤولية. وحدهم يتحمّلون مسؤولية كل هذه الأزمات التي تعصف بالبلاد".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها