السبت 2019/01/19

آخر تحديث: 00:06 (بيروت)

إفشال قمة بيروت: انتصر قاسم سليماني وغاب العرب

السبت 2019/01/19
إفشال قمة بيروت: انتصر قاسم سليماني وغاب العرب
ملفات متعددة، مرتبطة بدمشق، هي التي فرضت مسار التعاطي العربي مع القمّة (دالاتي ونهرا)
increase حجم الخط decrease

جملة من التناقضات السياسية تفرض نفسها، لتفسير أسباب بهوت القمّة الاقتصادية في بيروت. وهي لا تدلّ عن موقف واضح أو موحد، يعلل مسببات تخفيض التمثيل إلى هذا المستوى، والذي تدحرج بشكل دراماتيكي بعد تأكيد حضور سبعة رؤساء دول، لينتهي العدد إلى إثنين. لا أحد يمتلك رؤية واضحة تقف خلف أسباب إفشال القمّة. العرب يصرّون على عقدها في بيروت، لتمسكهم ببيروت العربية لا الإيرانية، لكن هذا التمسك لا يقودهم لغير إظهار موقف عقابي ربما، عبر إرسال وفود منخفضة المستوى. كأن القمة منعقدة من باب رفع العتب، وإثبات أن بيروت حاضرة عربياً، والعرب حاضرون فيها. لكنهم أيضاً يظهرونها هزيلة، على نحو يفسح المجال أمام القوى المعارضة لعقد القمّة، إلى إظهار دورها وقوتها في إفشالها. وكأنه ممنوع على العرب إثبات وجودهم في بيروت إلا شكلياً، تماماً كما هو حال القمّة.

طريق المطار.. طريق دمشق 
قبل الدخول في القراءة السياسية لما تصوّره القمّة من تجاذب على لبنان. ثمة سؤال لا بد من طرحه. ماذا لو لم يعتذر الرؤساء والقادة العرب عن الحضور إلى بيروت، فهل كانت الأمور ستقف عند هذا الحد، أم ثمة مؤشرات مشابهة لما تعرّضت له ليبيا في الشارع، كانت ستحدث ربما على طريق المطار، تؤدي إلى إحجامهم عن المجيء في اللحظة الأخيرة؟ خصوصاً أن ثمة لافتات رفعت على طريق المطار، تدين بعض الدول العربية وقادتها، بمعزل عن أحقية الشعارات من عدمها، لكنها بالغة الوضوح في مصدرها وفي من تستهدف.

هذا السؤال يقود إلى خلاصة واحدة، وهي أن ثمة أطرافاً متعددة لا تريد للقمة أن تنجح، ولا أن يكون لها دويّ عربي، خصوصاً أن أي مفاعيل جدية لها سُحبت قبل لحظة الإعتذارات والإعتكافات، فخرجت الجامعة العربية مؤكدة أن قمة بيروت لن تبحث ملف إعادة الإعمار في سوريا، ولا مشاريع اقتصادية تتعلق بها. كما أنها أكدت عدم طرح مسألة إعادة سوريا إلى الجامعة العربية. وبالتالي من كان يسعى إلى التعويض عن عدم دعوة سوريا إلى القمّة، فقد سبباً لإفساح المجال أمام إنجاحها، طالما أنها لن تخرج بقرار رمزي في اجتماع وزراء الخارجية العرب ببيروت، لإعلان عودة دمشق إلى الجامعة العربية.

مطبات لبنانية 
لا شك أن ملفات متعددة، مرتبطة بدمشق، هي التي فرضت مسار التعاطي العربي مع القمّة. الغريب هو ما أكده السفير السوري في لبنان عن تلقيه دعوة من رئاسة الجمهورية لحضور القمّة، لكنه اعتذر عن المشاركة، بينما سوريا لم تعد إلى الجامعة العربية. وهذا أول مطبّ واجهه لبنان. إذ اعتبر بعض العرب أن هناك تجاوزاً لما يرتضونه. المطب الثاني، هو المساعي الحثيثة التي بذلها وزير الخارجية، جبران باسيل، من أجل إعادة سوريا إلى الجامعة العربية، تمهيداً لتوجيه الدعوة إليها. وهذا أيضاً يؤكد ارتباط سوريا بإنجاح القمة أو بفشلها. هذه المساعي اصطدمت بلحظة إحجام عربي عن الإندفاعة تجاه دمشق، وبضغط أميركي لوقف اندفاعة التطبيع مع النظام السوري. بينما باسيل استمر بمحاولة فرض رغبته، فكان لا بد من مواجهته بحزم من قبل الدول العربية، التي لا يمكنها السير وفق ما يريده وزير خارجية لبنان. بل وترى الجامعة بداهة وجوب التزام لبنان التوجه العربي.

في تناقضات التفسير اللبناني لإفشال القمّة، انعكاس للتناقضات العربية كذلك. يتهم فريق ما النظام السوري بتعطيل القمّة، طالما أن سوريا لم تدع. لكن الردّ العربي أتى ملائماً لما يريده المعطّلون، طالما أحجم الزعماء العرب عن الحضور، وبالتالي أسهموا في إفشال القمّة. وهو المشهد الذي يمنح النظام السوري انتصاراً وفق مقولة: القمّة معطّلة لأنه ليس موجوداً. ويثبت مجدداً فعالية قوته على الساحة اللبنانية. إثبات آخر على ارتباط دمشق بتعطيل القمّة، هو موقف حركة أمل برئاسة رئيس مجلس النواب، نبيه برّي، الذي كان يعترض على حضور ليبيا. لكن، وعلى الرغم من مقاطعتها، أعلن الرجل عدم حضوره القمّة، تاركاً حرية الخيار لنواب كتلته في المشاركة من عدمها. وهذا يعني أن التصعيد بوجه ليبيا وتقديم استعراض إحتجاجي في الشارع، كان هدفه أبعد من إستبعاد الوفد الليبي، ويرتبط بإفشال القمّة كرمى لعيون النظام السوري، أو من أجل فتح باب تحسين علاقته مع هذا النظام. موقف برّي يقابله موقف لصديقه "اللدود" وليد جنبلاط الذي اعتبر أن القوى الظلامية عطّلت القمّة.

أسوأ من حال اليمن
لا يمكن للفعالية السورية في إفشال القمّة، أن تكون مستقلّة بذاتها. بلا شك، هي تستند إلى قوة رافدة، ترفض عقد القمّة أيضاً، وثمة من يشير إلى أن إيران أرادت إيصال رسائل أساسية إلى العرب، بأنهم لا يدخلون بيروت إلا بإذنها، خصوصاً أن بيروت مدرجة بين العواصم العربية الأربع التي تبجّح مسؤولو "الثورة الإسلامية" بأنها خاضعة لسيطرتهم. فلا يمكن التساهل مع "استباحة" العرب لها، وفق المنظور الإيراني. وبينما أصرّ لبنان على عقد القمّة، لم تأت التلبية العربية على قدر المتوقع من آمال. لتظهر طهران مجدداً وكأنها حققت هدفها.

قد تكون الإجراءات العربية في خفض مستوى التمثيل، ترتبط بوقف مبدئي من لبنان، الذي أصبح محسوباً على المحور السوري الإيراني، وفيه نوع من العقاب على مواقف اتخذها المسؤولون اللبنانيون، كانت تصب في خانة طهران. هذا الموقف يرتبط أيضاً بحسابات أمنية وسياسية تضع المسؤولين اللبنانيين أمام حصاد ما زرعوه. لا تقتصر الرسالة العربية على رئاسة الجمهورية، فرئاسة الحكومة من بين المستهدفين بالسهام أيضاً، خصوصاً أن العرب يجدون أنفسهم مجدداً بين نارين في لبنان. فالحضور إليه بلا اعتراض فيه تسليم بتسيّد الإيراني عليه، وغيابهم عنه يفسح المجال أمام إيران لملئ الفراغ أكثر.

في الوقت الذي يحتفل فيه البعض بعقد القمّة، والبعض الآخر بإيصال رسالة إلى لبنان بتخفيض التمثيل. ثمّة من يحتفل لأسباب موجبة أكثر، وهي إفشال القمّة واستدراج العرب إلى المشاركة في إفشالها، تحقيقاً لمصالح قاسم سليماني، الذي أعلن عن تحقيق انتصار في بيروت. يتجلى ذلك في جعل لبنان دولة مارقة، لا يمكن اتخاذ قرار فيها إلا بفرض أمر واقع في الشارع، بحيث تكون بيروت الآمنة، عاجزة عن استقبال وفود عربية، في مشهد لا يمكن أن يحصل في اليمن مثلاً، لو تقرر عقد قمة عربية فيه.  

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها