الأربعاء 2018/09/19

آخر تحديث: 06:44 (بيروت)

إدارات الدولة تتسابق في خرق قانون المعلومات

الأربعاء 2018/09/19
إدارات الدولة تتسابق في خرق قانون المعلومات
هناك رغبة لدى المسؤولين في حجب الحقائق عن المواطنين
increase حجم الخط decrease

حجب المعلومات عن المواطنين ليس حكراً على مجلس الانماء والاعمار الذي رفض الكشف عن دراسة بشأن الأثر البيئي لاعتماد المحارق كوسيلة للتخلص من النفايات. فرغم مرور أكثر من عام ونصف على اقرار قانون رقم 28 بتاريخ 10 شباط 2017، المتعلق بحق الوصول إلى المعلومات ما زالت إدارات الدولة ترى نفسها غير معنيّة به. إذ كشفت دراسة أعدّتها "مبادرة غربال" المدنيّة، التي تعمل في مجال الاحصاءات والدراسات الاجتماعية والسياسية، عن أن إدارات الدولة لم تلتزم حتى بأبسط موجبات القانون 28، أي تسهيل تلقي طلبات المواطنين أو الجهات الراغبة في الحصول على معلومة معيّنة تخصّ الإدارة المعنية.

بدأت الدراسة مطلع العام 2018 إذ تم احصاء 146 إدارة عامة، قامت "غربال" بمراسلة وزيارة 133 إدارة منها، لأن الادارات الـ13 المتبقية خاضعة للأحكام ذاتها ضمن الوزارات المعنية. وأجرت لقاءات مباشرة مع 85 إدارة، وسلّمت طلب الحصول على المعلومات باليد. وأرسلت طلبات عبر البريد المضمون إلى 25 إدارة. أما الإدارات الـ23 المتبقية التي تمّ اللقاء المباشر معها فقد رفضت حتى استلام الطلب محيلة مبادرة "غربال" إلى سلطة الوصاية، كما يؤكد الناشط أسعد ذبيان لـ"المدن".

قامت الدراسة على الطلب من الإدارات الاجابة عن الاسئلة المعدّة لمعرفة مدى التزامها ببعض الاحكام الأساسية لقانون حق الوصول إلى المعلومات، المتعلّقة بتعيين الموظف المعني بتلقي طلبات المواطنين الراغبين في الحصول على المعلومات، وعنوان الموقع الإلكتروني المعتمد لنشر المعلومات، والمستندات التي يبلغ فيها الانفاق أكثر من 5 مليون ليرة لبنانية، والتقارير السنوية وفقاً لأحكام الفصل الثاني من القانون 28.

ورغم كون المعلومات المطلوبة عادية ولا تتطلب حتى الكشف عن أي معلومة بما فيها تلك المباحة للعموم، تلقت "غربال" أجوبة خطية من 34 إدارة فقط من أصل 133. على أنّ 19 إدارة من أصل الـ34 ردّت ضمن مهلة الـ15 يوماً التي ينصّ عليها القانون و15 إدارة أجابت خارج المهلة. ليس هذا فحسب، بل تبيّن أنّ 18 إدارة فقط قامت بتعيين موظف لمتابعة طلبات المواطنين. أما بقية الإدارات فردّت بأنها إمّا غير معنية بتطبيق القانون أو بخضوعها لسلطة الوصاية. فالسلطات القضائية اعتبرت نفسها غير معنيّة بالقانون لكونه لا ينطبق عليها. والمؤسسة العامة لضمان الودائع اعتبرت أنّ سرّية المعلومات التي بحوزتها تجعلها غير معنيّة بتطبيق القانون. أما وزارة الداخلية فرفضت استلام الطلب، لكن بعد ارساله عبر البريد المضمون تبين أنّها فتحت الطلب واطّلعت عليه وأعادته من دون إجابة عبر البريد، كما يؤكد ذبيان.

يحظّر القانون 28 الحصول على معلومات تتعلّق بالأمن القومي ومحاضر جلسات مجلسي الوزراء والنواب السرية، والمعلومات التي تمسّ بمبدأ الخصوصية والمالية للأفراد، لكن ذبيان يستغرب عدم تجاوب الإدارات، لاسيّما أن الاستمارة التي أرسلت لم تتضمن حتى طلب الحصول على معلومات تتعلق بالإدارة والتي يبيحها القانون. بل هدفت الاسئلة الموجّهة إلى التحقق من إلتزام الإدارات ببعض أحكام القانون التي يفترض أنها تسهّل مراجعة المواطن الإدارات قبل الشروع بنوع المعلومات التي يريد الحصول عليها وإذا ما كانت مباحة او محظورة.

ستعمل "غربال" في المرحلة المقبلة على تقديم طلبات للحصول على ارقام النفقات والإرادات المالية التابعة لموازنة العام 2017، وستتابع الضغط على الإدارات وصولاً إلى إلزامها بتنفيذ أساسيات القانون 28. لكن، قبل مساءلة الإدارات العامة عن عدم الالتزام بهذا القانون، إذا كان نوّاب الأمة لا يستطيعون الحصول على معلومات تعتبر عامة وأساسية وتتعلق بصحّة المواطنين، فكيف الحال بالمواطن العادي؟

فها هو مجلس الانماء والاعمار يرفض طلب النائبة بولا يعقوبيان الحصول على نسخة عن تقرير "تقنية المحارق– دراسة الأثر البيئي" التي أعدّتها شركة "EGIS"، معلّلاً سبب الرفض بأنه يريد عرض الدراسة على الجهات الرسمية لجمع الملاحظات عليها، وبأن الدراسة غير نهائية، وبالتالي غير خاضعة لقانون الوصول إلى المعلومات، كما تؤكّد لـ"المدن".

تعتبر يعقوبيان أنّ سبب رفض مجلس الانماء والاعمار الطلب واهٍ وغير قانوني وفيه مخالفة صريحة للقانون، لكون الشركة أنجزت دراستها وسلّمتها. ما يعني أنها نهائية. بالتالي، من حق المواطنين الاطلاع عليها. فلو كان المجلس يعدّ الدراسة داخلياً لكانت مبرّراته جائزة، إذ إنّ القانون 28 يبيح له عدم نشرها قبل الانتهاء منها. لكن، يبدو أن هناك رغبة لدى المسؤولين في حجب الحقائق عن المواطنين، لاسيّما تلك المتعلقة بصحّتهم، كما تؤكد يعقوبيان. فهل ستصمد المبادرات المدنية أمام إمعان مؤسسات الدولة بخرق القانون، أم أن عملها سيكون أشبه بمن "يجمع الماء في الغربال"؟

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها