السبت 2018/07/21

آخر تحديث: 01:10 (بيروت)

طرابلس: "مدينة المفروشات" لم تهزمها الحرب ويدمرها الاستيراد

السبت 2018/07/21
طرابلس: "مدينة المفروشات" لم تهزمها الحرب ويدمرها الاستيراد
وراء حرفة صناعة المفروشات يقف جيش من المستفيدين
increase حجم الخط decrease

في منطقة الزاهرية، ثمّة ما يُذكّر أنّ طرابلس هي "مدينة المفروشات". هنا، لا تزال حرفة صناعة المفروشات قائمةً، في عددٍ من المحال المتبقية، التي تعيش في زمنٍ تشهد فيه على اندثار حرفتها.

في شوارع ضيّقة تسودها رائحة الخشب، وتتلاصق فيها المحال، تكسر أصوات المطارق والماكينات البدائيّة أدراج الصمت. غالباً ما يجلس أرباب العمل على الكراسي في الرصيف المشترك، وهم يتبادلون الحديث عن حياتهم وأحوال مهنتهم. بعضهم يُشعل السجائر، وبعضهم الآخر يكتفي بفنجان القهوة. أمّا العاملون الذين شوتْ الشمس جلودهم، فيتقاسمون الأدوار على الماكينات وقصّ الخشب وحمله. وبين دقائق وأخرى، يقفون قليلاً، ليمسحوا عرق جبينهم بساعدهم، ثمّ ينفضون قمصانهم للتخفيف من وطأة غبار الخشب، الذي يلازم أجسادهم وأنفاسهم.

حرفةُ صناعة المفروشات، قطاعٌ عريقٌ له تراثه في المدينة منذ أكثر من 100 عام. وفي حديثٍ إلى "المدن"، يشرح نقيب الصناعات الخشبية والحرفية والمفروشات في الشمال عبدالله حرب، وهو صاحب ورشة، قصّة الحرفة التي كانت مزدهرةً بتشكيلةٍ واسعة من الأذواق والفنّ والخبرة. فـ"لقب مدينة المفروشات، استحقته طرابلس بعدما أصبحت مقصداً لأهالي الجنوب وبيروت ومختلف المناطق اللبنانية، بغية شراء البضائع والمفروشات الخشبيّة".

ورغم الكوارث التي ألحقتها الحرب الأهليّة، "غير أنّ الحرفة في الشمال بقيت محميّة حتّى العام 1995". لقد كانت مدينة المفروشات مقصداً، و"كنّا نعرف أبناء المناطق من أذواقهم"، يقول حرب: "أهل الجنوب يحبّون الحفر في المفروشات الخشبية، أهل بيروت يفضلون الأثاث الناعم. أمّا أهل جونية، فيميلون إلى كلّ ما هو عصري ومواكب للحداثة في مفروشات بيوتهم".

"نحن حرفيون قبل أن نكون صناعيين". ما يميّز حرفة صناعة المفروشات في المدينة، هي أنّها ترتكز على الخشب الطبيعي المستورد من رومانيا، مثل خشب الزين والليتيه والسويدي، ويجري العمل به يدوياً، خلافاً لصناعة الخشب في مصانع دولٍ أخرى، مثل الصين وتركيا. في طرابلس، تمتاز المفروشات بالمتانة والذوق الرفيع. كما أنّها مشهورة بالانتاج السريع، الذي يتماشى مع تبّدل أذواق الناس وميلها إلى الموديلات الحديثة. يضيف حرب: "حكماً لقد تبدل ذوق الناس رأساً على عقب، وأثّر بالتالي على نوعية السلع المنتجة ومن يعمل فيها. إذ تراجع الطلب على الخشب المحفور والموديلات المعقدة، وبدأ الناس يبحثون عن أشكالٍ بسيطة تتماشى مع أحجام منازلهم وروحيّتها العصرية".

وراء حرفة صناعة المفروشات، يقف جيش من المستفيدين في القطاع، الذين يُكملون دورة العمل. فـ"هناك دهان الموبيليا، النجارة الموبيلية، النجارة العربيّة، التنجيد، حفر الخشب، الرسم على الخشب، التقشيش، تجار الخشب والأقمشة".

لكن، ماذا عن أحوال مهنة مهددة باندثارها؟

منذ العام 2006، بدأ العمل في المفروشات يتبدّل متدهوراً نحو الأسوأ. في العام 2009، أجرينا دراسة بالتعاون مع وزارة الاقتصاد، تبيّن فيها أنّ الضرر بالانتاج بلغ نسبة 86% و70% على اليد العاملة. وبعدما دخلت البضائغ التركية والصينية والمصرية، تخّطى الضرر نسبة 100%.

أيّام العزّ في المصلحة لم تدم، إلى أن جاءت جولات القتال، التي أدت إلى تراجع كبير. "في الشمال، كان يوجد أكثر من 5 آلاف مؤسسة صناعية حرفية لم يبقَ منها سوى 5%، يعتاش منها عدد كبير من الحرفيين المهرة وعائلاتهم، لاسيما أنّ العرض يرضي جميع أنواع الطلب، والغرف تبدأ أسعارها من 600 دولار إلى عشرات الآلاف".

هذا الوضع، دفع أرباب المصلحة ونقابيّيها، إلى بدء العمل لرفع الصوت والمطالبة بحماية الانتاج المحلي أولاً، وإعادة تنشيط القطاع الذي تستفيد منه المدينة بأكثر من 60%.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها