الأربعاء 2018/07/11

آخر تحديث: 00:20 (بيروت)

القوات والتيار: حرب الإلغاء الثانية

الأربعاء 2018/07/11
القوات والتيار: حرب الإلغاء الثانية
القوات تواجه قوتين: الرئاسة ونتائج الانتخابات والتحالفات (الأرشيف)
increase حجم الخط decrease

النزاع المحتدم بين حزب القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر، يذكر بحرب الإلغاء الأولى التي خاضها "رئيس الحكومة الانتقالية" العماد ميشال عون مع نهاية عهد الرئيس أمين الجميل، ضد القوات اللبنانية التي كانت تشاطره القرار وأرض النفوذ في الوقت ذاته. للتذكر، كان سمير جعجع الداعم الأول للحكومة تلك، وهو صرَّح عند خروجه من لقاء الرئيس عون بعد تكليفه، بأنه بات "لدينا حكومة استقلال وأكثر"... لكن ذلك لم يمنع الانفجار اللاحق الذي تمَّ وفق معادلة تعرفها "إمارة جبل لبنان"، وتقول إن "الجبل لا يحمل بشيرين".

اليوم، تتكرر نسخة منقحة من ذلك الإلغاء، مع بعض المقدمات المشابهة التي من أهمها، دعم حزب القوات اللبنانية وصول ميشال عون إلى موقع رئاسة الجمهورية، والنوم على حرير بنود اتفاق معراب الذي ينظم العلاقة بين القوتين الأساسيتين في الساحة المسيحية، وانتظار المكافأة التي سيقدمها التيار الوطني الحر إلى حزب القوات، كرد جميل لما فعله رئيسها، وكتأكيد روابط التفاهم والتنسيق التي وضعت نصب أهدافها استعادة التمثيل المسيحي الوازن في أروقة التشكيلة اللبنانية.

مرَّةً أخرى، لا تتطابق حسابات حقول الأطراف مع حسابات بيادرها، وما يدور الآن ليس أقل من فصل قمح الأوزان عن زؤان  تفاهماتها. وهذا بكلام آخر، إعادة احتكام إلى عوامل القوة الحقيقية التي يستند إليها التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، وإلى وقائع التحالفات الداخلية التي تجعل التيار واقعاً ممتداً ومتداخلاً مع واقع أكثر من طرف داخلي، وتبقي حزب القوات في موقع التحالف المتوجِّس منه، وفي دائرة العلاقة الحذرة، حتى في الأوقات الطارئة، أو في خضم التطورات الداهمة، كمثل ما حصل بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري الذي أملى لقاءات وتحالفات هجينة، وعلى ضفتي الصراع الداخلي. ما جعل الشعارات المرفوعة من قبل المتحالفين الجدد مادةً للنعوت التي رمتها بالانتهازية أو بالعشوائية، وفي أحسن الأحوال قيل فيها إنها لقاءات من خارج المتداول والمعهود من قبل كل طائفية سياسية لبنانية.

يقتضي صراع الأحجام الحالي بين التمثيلين المسيحيين، الذهاب إلى خلف الصورة قليلاً للتمكن من توضيح قسماتها، ولوصفها بمفردات غير تلك المتداولة في بيانات وتصريحات الطرفين المتحالفين.

لن يكون خارج السياق القول إن التعايش المتساوي والمتعادل بين تياري "الرئيس والدكتور"، لا يشكل قسمة عادلة. هذا إذا وُضع في الاعتبار السياق الذي أوصل الرئيس إلى سدَّة الرئاسة، والذي أوصل "الحكيم" إلى طاولة التفاهم. كخلاصة موجزة، أو كعنوان أساسي: الذي أنزل كلاً من المسؤولين في موقعه الحالي، هو "طائر" التطورات الإقليمية المرعية دولياً، وهو استعداد حاضنة داخلية لبنانية لاستقبال غلبة سياق على سياق وتوظيفها، وإخفاق حاضنة أخرى في تثمير غلبتها المؤقتة وتحويلها إلى غلبة سياقية سياسية ثابتة. الإشارة إلى التوظيفين كافية للدلالة على أن المقصود هو تكتلا الثامن من آذار والرابع عشر من آذار، فأحدهما أصيب بفاقة بعد عزَّ، والثاني عرف كيف ينحني قليلاً مع العاصفة ليعيد رفع هامته واستئناف مسيرته إلى أبعد ما توقعته المخيلة اللبنانية. لقد كان للخيال انكفاء قوى في الداخل، منها السنية السياسية عموماً، التي أصيبت بأضرار بالغة بعد صعود آني، ومنها الجنبلاطية السياسية التي قادت سياسات ما بعد سقوط الحريري ثم وصلت إلى طريق غير نافذ، ومنها المارونية السياسية التي ثبت "تيارها العوني"، فتقدم مع حلفائه المتقدمين، وتنقّل وتقدّم وتراجع وارتبط فريقها القواتي، فحصد من تراجع حلفائه المتراجعين تراجعاً إضافياً، له نكهة موقعه ضمن الكتلة الأهلية المسيحية.

إذن، ربما يمكن القول إنها حرب إلغاء ثانية في السياسة، لما علق في ذهن القواتيين من صور ندّية مع التيار الوطني الحر، وربما هي حرب إلغاء لافتراضات غنائم رد جميل وتقاسم أرباح راودت مخيلة القوات، فتقدم من بين التيار من يقول ببطلانها على طريق تحجيمها وتضئيلها، وردها إلى جادة الواقعية الأهلية.

بناءً على ما تقدم، سيكون التذكير القواتي بروح تفاهم معراب غير ذي جدوى، فما ينفع في مقام السياسة هو إعادة فحص مواقع القوة وكيفية توظيفها، والتدقيق في حسابات الربح والخسارة من كل توظيف. والتذكير بالتفوق الموضوعي للتيار الوطني الحر ضروري أيضاً، للقول إن التيار بات مستنداً على ما راكمه في الماضي، وهو فعلي، وعلى وجود مؤسسه في الموقع الأول من مواقع المسؤولية. لكأن فريق القوات يواجه منفرداً قوتين وموقعين في ساحة النفوذ المسيحية، موقع وقوة الرئاسة، وموقع وقوة نتائج الانتخابات والتحالفات ومجموع التراكمات السياسية التي باتت ملكاً للتيار، حالياً، دون سواه من سائر الأفرقاء في التشكيلة السياسية المحلية. وعلى الهامش، الذي هو الموضوع، الغائب الأكبر عن صراع حضور القوتين المسيحيتين، هو الحضور اللبناني بما هو مصالح البلاد والعباد التي تتقاذفها رياح النزاعات البينية. هذا في الوقت الذي يتمنطق الأفرقاء بعناوين لبنان القوي والجمهورية القوية.. ويظل الماثل ضعف وطني شامل تقبل عليه بحماسة كل الطائفيات.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها