الجمعة 2018/06/29

آخر تحديث: 00:06 (بيروت)

الصلاحيات "الأبوية" للرئيس تفجّر نظام الطائف

الجمعة 2018/06/29
الصلاحيات "الأبوية" للرئيس تفجّر نظام الطائف
أزمة نظام ما بعد الطائف ظهرت مع الرئيس القوي (دالاتي ونهرا)
increase حجم الخط decrease

لم يفكّر القادة اللبنانيون جدّياً لوضع حلول "توافقية" لتأمين استقرار ديمقراطية لبنان الهشّة، بعد خروج الراعي السوري في العام 2005. وجرياً على عادة فرض المساومات على حافة الهاوية، قد تتوصّل "القيادات" إلى تخطي أزمة "الصلاحيات" الحالية التي تعصف بين الرئاستين الأولى والثالثة. لكن المخاطر الكثيرة التي مرّ ويمرّ بها لبنان منذ تأسيسه، تحتاج إلى وضع حلول للمعضلة اللبنانية التي واكبت نظامه السياسي القائم على "تقاسم السلطة بين الجماعات".

قد يظن البعض أن الأزمة الحالية محصورة بتقاسم الحصص والمقاعد الوزارية. لكن النظرة "الاسترجاعية" للنظام اللبناني تشي بعكس ذلك. أزمة الحصص قائمة وأساسية في "نظام التقاسم"، لكن ما هو حاصل منذ نحو سنتين، أي في ظل الرئيس "القوي" ولبنان القوي، واستطراداً كل ما يمتّ "للقوة" بصلة، يشي بأن الأسس التي قامت بعد اتفاق الطائف لم تعد تستطيع تلبية المتطلبات اللبنانية، التي بدأت تتصاعد بشأن "الالتزام بالطائف" وبـ"النظام البرلماني".

لقد قام الميثاق الوطني للعام 1943 على توازنات دقيقة لممارسة الحكم بين الطوائف، لكن لبنان ولكونه قائماً على أسس عرفية فقد كان أسير شخصية رئيس الجمهورية. فقد قضى العرف بأن لا يمارس الرئيس صلاحيّته بحسب المادة 53 من الدستور بحل مجلس الوزراء وبأن يقوم "باستشارات نيابية" لتعيين رئيس الحكومة. وعندما تختلف شخصية الرئيس تتجدّد الأزمات، وهذا ما حدث في العام 1958 مع الرئيس كميل شمعون الذي أصرّ على ممارسة صلاحياته بمقتضى الدستور.

بعد حرب أهلية مديدة تمّ توقيع اتفاق الطائف في العام 1989، وتمّ وضع حدّ للاقتتال اللبناني. وضع "الطائف" معادلات جديدة على مستوى الحكم ونقل لبنان على المستوى الدستوري من نظام "شبه رئاسي" إلى نظام برلماني، إذ انتزعت بعض صلاحيات رئيس الجمهورية لمصلحة مجلس الوزراء الذي بات يمتلك السلطة التنفيذية، ورفع حصة الطائفة السنية في السلطة السياسية، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الطائفة الشيعية، وبات لرئيس مجلس النواب سلطة "مفتاحية" في الإشراف على نشاط الحكومة وتشكيل مجلس الوزراء.

رفض الجنرال ميشال عون، آنذاك، هذا الاتفاق وتمّ ابعاده عن الحكم. واللافت أنه بعد عودته إلى لبنان بدأ مع التيار الوطني الحر بالمطالبة بتطبيق "الطائف" لناحية "المناصفة" بين المسيحيين والمسلمين. وتكرّس الأمر بعد تسلمه الرئاسة الأولى. أما اليوم، وبحسب مقتضيات "القوة"، فتجري محاولات لإعادة تكريس معادلات تعود إلى زمن ما قبل الطائف، وبطريقة معكوسة، أي انتزاع صلاحيات من الرئاسة الثالثة لمصلحة الرئاسة الأولى.

لم يدرك الرئيس سعد الحريري أن وصول رئيس "قوي" إلى رأس الحكم، يملك تمثيلاً مسيحياً واسعاً، سيغيّر معادلات الحكم التي رست بعد الطائف. على العكس منه، أدرك الرئيس نبيه بري أن سلطته التي تكرّست بعد الطائف بدأت بالتآكل، لا سيما في ظل رئيس يريد حتى ممارسة صلاحياته "أكسترا" دستورية لتحقيق المناصفة المرتجاة.

تصاعد التوجس في الساحة الشيعية بعد أزمة مرسوم ترقية الضباط، وبدأت المطالبة بضرورة مجاورة توقيع وزير المال تواقيع الرئاستين الأولى والثالثة تأخذ حيّزاً في الصراع على الصلاحيات. ثم انتقل التوجّس إلى الساحة الدرزية وتجلّى في التصعيد الكلامي لرئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، محذّراً الحريري من التخلي عن صلاحيات الطائف، في فترة الانتخابات. والأمر ذاته يحصل حالياً في الساحة السنّية. فبعد البيان الذي صدر عن المكتب الإعلامي لرئاسة الجمهورية، الذي شدّد على أن الرئيس "ليس في وارد التغاضي عما منحه إياه الدستور من صلاحيات وما درجت عليه الاعراف المعتمدة منذ اتفاق الطائف"، أتى بيان كتلة تيار المستقبل ليؤكد أن "مهمة تأليف الحكومة من المسؤوليات الدستورية المناطة حصراً بالرئيس المكلف".

الأزمة الحالية، التي ظهرت كما لو أنها أزمة تشكيل حكومة، بدأت ملامحها في الظهور مع الرئيس القوي. فـ"هالة القوة" والصلاحيات "الأبوية" التي لفّها الرئيس حوله، ترجمت شيعياً، العام الفائت، ودرزياً خلال فترة الانتخابات وبعدها، وسنّياً حالياً، كنوع من تعديل الطائف. عليه، قد تنتهي أزمة تشكيل الحكومة عبر عقد صفقات معينة، من دون "خاسر ورابح"، لكن أزمة الصلاحيات بين الرئاسات الثلاث ستستمر مستقبلاً. فقطار تعديل "الصيغة اللبنانية" بات على سكّة الزمن. فهل يتجنّب النظام اللبناني مقولة أنه لا يجدد نفسه إلا بعد حروب مدمرة؟

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها