الخميس 2018/06/28

آخر تحديث: 01:31 (بيروت)

مرسوم التجنيس محسوم.. لماذا كُلِّف الأمن العام بالتحقيق؟

الخميس 2018/06/28
مرسوم التجنيس محسوم.. لماذا كُلِّف الأمن العام بالتحقيق؟
هناك مراسيم تجنيس أخرى بتوازنات طائفية (دالاتي ونهرا)
increase حجم الخط decrease
لماذا كُلّف المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم بإجراء تحقيقات وإعداد تقرير بشأن مَن شملهم مرسوم التجنيس؟ الأيام التي بذلت فيها مديرية الأمن العام جهداً لإعداد تقريرها، أصبح بالإمكان القول إنها طارت في الهواء. ليس لشيء، بل لأجل تمييع الموضوع، ولإيجاد مخرج له على الطريقة اللبنانية. وهو ما كان معروفاً سلفاً. في الأساس، إن المرسوم أنجز ووقّع وأصبح ساري المفعول، من أجل هؤلاء المشتبه بهم، وليس لأجل غيرهم، ولا يمكن إلغاؤه.
إنها الابتكارات اللبنانية لإضاعة وقت الناس والمؤسسات، ولتمييع القضايا. في اليوم الذي أعلنت فيه مديرية الأمن العام أنها أنجزت المهمّة وسلّمت تقريرها إلى رئيسي الجمهورية ميشال عون والحكومة سعد الحريري ووزير الداخلية نهاد المشنوق، كان الأخير يزور قصر بعبدا ويلتقي رئيس الجمهورية. بعد اللقاء لم يجد المشنوق حرجاً في الإعلان بشكل صريح عن مسار المرسوم، إذ أعلن أنه سيبقى المرسوم سارياً إلى أن يصدر أمر قضائي بخلاف ذلك، أي إلى حين صدور قرار مجلس شورى الدولة. فطالما الموقف متّخذ لماذا كلّفت الأمن العام بالمهمة؟ كان بالإمكان الإبقاء على الأسماء كما هي بدون إدخال الأمن العام وليبقى القرار لمجلس شورى الدولة.
الأخطر من هذا التسويف واللعب بالوقت والقضايا، هو ما يترتب على جوانب وهوامش هذه التصرّفات، والتي يسهم فيها مسؤولون في تعزيز "التنافس والخلافات بين الأجهزة الأمنية"، وفي تهشيم بعضها، وتهميش أدوار بعضها الآخر. الملاحظات التي تضمّنها تقرير الأمن العام، كان سبق ولحظها تقرير لشعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي، التي منحت مهلة 24 ساعة للتحقيق بشأن الأسماء، فتحدّث تقريرها عن وجود التباسات لكن لم تؤخذ المعلومات والملاحظات بعين الاعتبار. وهذا دليل على عدم تقدير المسؤولين مهمات المؤسسات الأمنية وتجاوزها حينما تقتضي المصلحة ذلك. عدم الأخذ بملاحظات الأجهزة التي أعدت تقريراً عن الأسماء التي يتضمّنها المرسوم، أسهمت في خلق اعتراضات شعبية ورسمية على اداء هذه الأجهزة التي كانت أعدّت ما يتوجّب عليها، لكن السلطة السياسية لم تأخذ به. وهكذا ظهرت هذه الأجهزة في موقع المقصّر.
حمّلت الأجهزة خطأ ليست مسؤولة عنه، ولزيادة التعمية، استدعى رئيس الجمهورية المدير العام للأمن العام، وأوكلت إليه مهمة التحقيق، وكأن لا تحقيق أعدّ من جهاز آخر. في الأيام الأولى، دخلت البلاد في نوع من تقاذف الاتهامات بين المسؤولين. تنصّل وزير الخارجية جبران باسيل سريعاً، فيما اعتبر الرئيس عون اعتبر أنه وقّع على ما وصل إليه، بينما قال وزير الداخلية إن التحقيق أجري من قبل ثلاثة أجهزة أمنية محلية. وحده الرئيس الحريري كان صريحاً وجريئاً، وقال: "ليش بتعملوا من الحبة قبة، المرسوم أقرّ، ومتل ما عندي أسماء بعترض عليها في أسماء أنا موافق عليها". هنا مربط الفرس، تسوية رضائية، مع علم مسبق لدى الحريري وغيره بأن هناك أسماء تمثّل تجاوزات. 
قد يكون تكليف الأمن العام بالمهمة نوعاً من تصويب المسار الذي سلكه المرسوم. الأمر لم يكن يتعلّق بإعادة النظر فيه جذرياً، ولا بشطب أسماء منه. إنما نوع من تسوية رضائية جديدة، عبر إعادة سلوك المرسوم طريقه المفترضة، إذ يجب أن ينطلق من الأمن العام إلى المؤسسات الأخرى. وهذا ما لم يحصل. بالتالي، فإن كل ما أثير لم يؤد إلا إلى احترام صلاحيات الأمن العام، التي بذلت جهداً وأعدت تقريراً لم يؤخذ به أيضاً. ولكن الصورة التي ظهرت فيها الأجهزة، هي أن هناك أجهزة مقصّرة، وهي التي أعدّت تقاريرها في البداية. وهناك جهاز مخلّص، أعد تقريراً لكن لم يؤخذ به. حظيت الأمن العام بلقب البطل بلا جائزة البطولة. وقد تكون العودة إليها نجمت عن واجب التوازن الطائفي، بحيث ظهر المرسوم وكأنه تسوية رضائية سنّية مسيحية، بغياب شيعي. بعودة الأمن العام تحقق التوازن، وهذا سيتحقق أكثر باللقاء مع مراسيم أخرى بدأ الإعداد لها لتحقيق التوازن الفعلي، ولتكون عاملاً تصحيحياً عبر منح الجنسية للمستحقين، سواء أكان في وادي خالد أم في القرى السبع. ولا يبدو أن قرار مجلس شورى الدولة، سيقبل أي طعن مقدّم، ليس لعدم المس بصلاحات رئيس الجمهورية فحسب، بل لأن هناك اعتبار أن الطعون المقدمة غير مستقيمة قانونياً. فالمرسوم يشمل عشرات الأشخاص، وبالتالي لا خوف من توطين، ولا ضرر من تجنيس هؤلاء.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها