الأحد 2018/06/17

آخر تحديث: 00:37 (بيروت)

جنبلاط.. إلى أين؟

الأحد 2018/06/17
جنبلاط.. إلى أين؟
يستند جنبلاط إلى التحالف مع القوات والرئيس بري (حسن إبراهيم)
increase حجم الخط decrease
أظهر موقف رئيس الحزب التقدّمي الاشتراكي وليد جنبلاط هشاشة التسوية. في تغريدة واحدة شمل جنبلاط أكثر من موقف سياسي، من تعاطي لبنان مع ملف اللاجئين السوريين إلى وصف العهد بالفاشل منذ اللحظة الأولى. بالتأكيد، إن ما قاله جنبلاط ليس وليد صدفة، ولا تعبيراً غير مقصود كما درجت العادة في تعاطيه مع تويتر. لطالما غرّد جنبلاط ثم حذف تغريداته، لكن هذه التغريدة بقيت. أصرّ عليها رغم الحملة التي شُنّت عليه، وعاد وعززها بموقف "افرنقعوا عنّي".

يوحي السياق السياسي، ما بعد تغريدة جنبلاط، بأن المشكل في البلد آخذ في التوسع. لم تعد المسألة مرتبطة بتوزيع الحصص الحكومية، ولم تعد مشكلة تشكيل الحكومة محصورة بحصّة القوات اللبنانية وصراع تحديد الأحجام بينها وبين التيار الوطني الحر. المشكلة أصبحت في مجال أوسع، وهو سياسة العهد برمّته. وتعمّد جنبلاط الإشارة إلى التعاطي "العنصري" حسب وصفه مع اللاجئين السوريين، لا سيما الإجراءات الأخيرة التي اتخذها وزير الخارجية جبران باسيل.

ذهب العونيون إلى اتهام جنبلاط بأنه اتخذ موقفاً هجومياً تجاه العهد بعد زيارته إلى المملكة العربية السعودية، وكأن ما يقوم به هو إيحاء سعودي يهدف إلى محاصرة العهد وتحسين شروط القوى المناهضة لحزب الله والتسوية التي يستفيد الحزب منها دون غيره. وقد تحمل إشارة إلى تأخير تشكيل الحكومة، بما يتناسب مع التوجهات السعودية، التي لا تبدو مستعجلة لإنجاز تشكيلة حكومية في ظل الظروف الحالية، بل تفضّل التريث في انتظار حصول متغيرات إقليمية، تجبر حزب الله المستعجل على التشكيل إلى تقديم مزيد من التنازلات.

لم يعد جنبلاط من السعودية إلى لبنان. ذهب في إجازة. ما يشير إلى أن لا شيء مستعجلاً في لبنان، ولا تطورات تستحق المتابعة، وبأن مفاوضات تشكيل الحكومة متأخرة، على عكس ما يشاع. وهذا يرتبط بعدم حصول لقاء بين رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، خلال زيارته الأولى إلى الرياض، على أن يلتقيه في فترة العيد. هنا، تنقسم التقديرات، إذ يعتبر البعض أن عدم حصول اللقاء يعني أن السعودية لا تريد أن تتدخل بشكل مباشر في عملية التفاوض. وهي إشارة يجب على الحريري التقاطها، أولاً بشأن تحمّل مسؤولياته وعدم التفريط بحقوق أو حصص أي من حلفاء السعودية في لبنان، ولا سيما القوات اللبنانية، وثانياً بأن السعودية ليست على عجلة من أمرها في ما يخص التشكيل. وتشير مصادر متابعة إلى أن عدم اتخاذ موقف سعودي واضح مع الحريري بهذا الشأن، ينطوي على رهانات متعددة لديها، أبرزها انتظار ما سيجري في المنطقة بعيد اللقاء الذي جرى بين بن سلمان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في ضوء ما يحكى عن خلاف روسي إيراني في سوريا.

تستند السعودية في تصعيدها على الموقف الروسي، والانسجام مع الرؤية الروسية، فيما حزب الله سيكون متشدداً أكثر سواء أكان في لبنان أم في سوريا، استناداً إلى موقف رئيس النظام بشار الأسد، الذي اعتبر أن المعركة طويلة، والحزب باق في سوريا، وليس لإيران قواعد عسكرية. ما يعني أن الضغط الروسي سيزداد على النظام السوري في المرحلة المقبلة. بالتالي، على الإيرانيين، إذ ستتوسع معركة شد الحبال بين الطرفين، وسط تجديد الانسجام الإسرائيلي الروسي وفق كلام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي أكد التوافق مع الروس على زيادة التنسيق بشأن الوضع في سوريا.

يوحي هذا الكلام أن الملف اللبناني نقل إلى حلبة أوسع من الداخل، تفجّرت في موقف جنبلاط، الذي غمز من قناة التعاطي العنصري مع اللاجئين السوريين. وهو يحمل في طياته انعكاسات لقراءات جنبلاط المواقف الدولية حيال الخطوات اللبنانية. فهناك جو دولي مستاء من التصرفات اللبنانية غير الدبلوماسية، والتي تقوم على مفهوم الضغط والابتزاز على المجتمع الدولي. وقد أراد جنبلاط استباق محاولات إعادة لبنان إلى حضن النظام من بوابة ملف اللاجئين، فيما هناك من يعتبر أن أي عملية تأخير للتشكيلة الحكومة، تعني تأخير الدخول في التطبيع مع النظام، لأن هناك من يريد للحكومة المقبلة أن تكون حكومة العودة إلى دمشق.

سحب جنبلاط النقاش من الأمور التفصيلية بشأن الحصص والحقائب، إلى رحاب أوسع، وهو إعادة توجيه وتحديد الإطار السياسي العام لجبهة تعارض التطبيع مع النظام السوري، في مقابل المعارضة الخجولة أو الصامتة التي يوحي بها تيار المستقبل حيال توجهات باسيل. يستعيد جنبلاط دوراً ريادياً لعبه في حقبة اغتيال الرئيس رفيق الحريري. ففي تلك الفترة، كان أركان قريطم في حالة الذهول، فصوّب جنبلاط البوصلة السياسية، مقترحاً تشييعاً شعبياً وسياسياً للحريري، بخلاف توجيهات البعض بأن ينتهي تقبّل التعازي بعد ثلاثة أيام وتعود الأمور إلى طبيعتها. اليوم، يخوض جنبلاط معركة مماثلة، ولكن بطريقة مختلفة، ومن موقعه كوسطي، يستند إلى التحالف مع القوات ومع الرئيس نبيه بري الذي لديه كثير من الاعتراضات على أداء العهد. وينطلق جنبلاط من تفاهم مع حزب الله على ربط النزاع وعدم الدخول في مواجهات سياسية مباشرة، أو إعادة إحياء الاصطفافات العمودية. ومواجهة إعادة لبنان إلى سوريا تندرج في إطار منع تلك الاصطفافات والحفاظ على التوازن.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها