الخميس 2018/06/14

آخر تحديث: 16:50 (بيروت)

بالصور: رأس بعلبك بعد السيول.. والغش

الخميس 2018/06/14
increase حجم الخط decrease

لا كلام يفي "الكارثة" التي حلت ببلدة رأس بعلبك، التي اجتاحتها السيول الأربعاء في 13 حزيران 2018، حقها. وليست الكارثة في ما خلفته السيول من أضرار مادية بالمنشآت العامة والخاصة، خصوصاً الأرواح، بل ربما في ما كشفته من تقصير، ومشاريع منفذة عشوائياً، تقاذف المعنيون مسؤوليتها، وصولاً إلى تحميل الطبيعة والتغيرات المناخية بعضاً من هذه المسؤولية.

ليست السيول طارئة على بلدة رأس بعلبك. فهم يتوقعونها مع انتهاء فصل الربيع وبداية فصل الخريف من كل عام. ويروي الأهالي أن بعضهم يدخل في سباق معها لاجتياز الجسور التي ترتفع فوق مجراها. ذلك أن هذه السيول تبدأ عادة بطيئة ومن ثم تزداد سرعتها تدريجاً. وإذا كان الخبير الجيولوجي سمير زعاطيطي يشير إلى الطبيعة الجيولوجية للبنان التي تسمح بتشكل السيول فيه، شارحاً تكونها العلمي نتيجة لهطول الأمطار الغزيرة في بقعة جغرافية محددة على أرض مانعة للتسرب، يشير العالمون في رأس بعلبك إلى أن السيول التي تجتاز بلدتهم تتكون في السلسلة الشرقية امتداداً من جرود يونين إلى بعلبك، ولا يمكن التنبؤ بقوتها، إلا متى بدأ جريانها في القرى المنخفضة.

لكن، مع أن سيول الأربعاء، التي ذكّرت الأهالي بأخرى مشابهة وقعت سنة 1371 وجرفت معها البلدة ومنازلها، كانت الأقوى بالنسبة إلى من عايش هذه السيول الموسمية، إلا أن جزءاً كبيراً من الأهالي، يعتبر أن هناك تقصيراً أدى إلى التداعيات التي حصلت هذه المرة.

فقبل عشرة أيام، كما يكشف نائب رئيس بلدية رأس بعلبك وليم نصر لـ"المدن"، وعلى اثر "الانذارات" المتكررة التي أطلقتها الطبيعة من جراء فيضانات اجتاحت سهل القاع وغيرها، عقد اجتماع في بلدية رأس بعلبك مع ممثلين عن هيئة الاغاثة ونواب المنطقة، وجرى خلاله المطالبة بتنظيف مجرى السيل الذي تراكمت فيه الردميات، تداركاً لـ"كارثة" توقع المعنيون وقوعها في البلدة اذا ما هطلت أمطار إضافية في المرتفعات.

طالبت البلدية هيئة الاغاثة حينها بسلفة، أو أقله وعد بسلفة، إذا ما بدأت بتنظيف المجرى على مسؤوليتها، إلا أنها ما عادت سمعت شيئاً من هيئة الاغاثة، وعندما وقعت الكارثة، استنفرت أجهزتها بالتعاون مع الجيش اللبناني من أجل مسح الأضرار والتعويض.

إلا أن رئيس الهيئة العليا للإغاثة اللواء محمد خير يرفض في تصريح إلى "المدن" تحميل الهيئة المسؤولية، لافتاً إلى أن الأمور في الهيئة لا تسير على قاعدة كوني فتكون، وأن اتخاذ القرارات كان يتطلب وقتاً أطول من مهلة العشرة أيام التي فصلت عن اللقاء، محملاً البلدية بعضاً من المسؤولية من خلال مبادرتها للتنظيف بطرق غير سليمة.

سار خير، كما قال لـ"المدن"، على مسافة 12 كيلومتراً في مجرى السيول بحثاً عن الخلل الذي وقع فيها، وهو بالفعل اطلع على حيطان الدعم التي كانت هناك طالباً إعادة تأهيلها، وتلك التي انهارت "سريعاً" مع السيول الجارفة، التي وجهت من خلالها أصابع الاتهام إلى وزارة الأشغال ومجلس الانماء والاعمار ومتعهد المشاريع المرتبطة بالمجرى ح.ب. بمخالفة الشروط الفنية في انشائها.

غير أن الغش، كما أجمعت أراء الأهالي والبلدية، تخطى هذه الحيطان إلى البرك التي استحدثت منذ ثلاث سنوات بالتعاون مع UNDP، التي يفترض أن تكون وظيفتها وفقا لمهندسين متخصصين وقف سرعة تدفق المياه واندفاعها، لا أن يجرفها السيل كما فعل بكل شيء في مرتفعات البلدة.

في وقت لفت نصر إلى الدور السلبي الذي لعبه سقف مجرى السيل في بدايته، والذي أدى إلى انسداده بالأتربة في فترة السيل البطيئة، لتخرج المياه عن مجراها عند تشكل السيول الضخمة، وتعود إليه بقوة اندفاع المياه التي أزالت المعوقات.

بناء على هذه المعطيات، لم ينجح استنفار الدولة واجتماعها في رأس بعلبك في امتصاص غضب أهالي البلدة "المنكوبة". والصوت الأعلى الذي سمع هو لجورج مهنا، الذي لحقت به وعائلته أكبر الخسائر، بعدما جرفت السيول سيارته وبيك اب يستخدمه في عمله، بالإضافة إلى اجتياحها كل غرف منزله ووالديه.

ولكن أسفه الأكبر كان على جيرانه آل منصور، الذين كانت خسارتهم أكبر بكبيرة المنزل "شهيرة" السبعينية التي بقيت بصحة جيدة تعمل في انتاج الألبان وبيعها لأسواق بيروت والتي عبثاً باءت محاولات ابنها لانتشالها من منزلها بعدما اجتاحته السيول. طفل آخر أيضاً جرفه السيل ونجح أهله بإنقاذه، كما تحدثت مصادر الصليب الاحمر عن 5 عمليات انتشال.

أما أضرار الممتلكات فلا تزال غير محددة، بعضها منشآت عامة مثل الكهرباء وأقنية جر مياه الشفة وأعمدة الإنارة العامة، وأخرى ممتلكات خاصة من سيارات وبيوت وبساتين وأشجار، ومحال ومستودعات، غاص أصحابها في الوحول لتخليصها، وعينهم على مجرى السيل الذي بقيوا يتخوفون من فيضانه مرة أخرى، خصوصاً أن كمية الردميات فيه بلغت "الخطوط الحمر" وصار مطلب تنظيفه وتأهيله مجدداً حاجة ملحة، قبل أي حديث آخر حتى عن التعويضات الملحة بالنسبة إلى الأهالي.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها