الجمعة 2018/06/01

آخر تحديث: 00:54 (بيروت)

إلى أين يتجه المجتمع المدني بعد الانتخابات؟

الجمعة 2018/06/01
إلى أين يتجه المجتمع المدني بعد الانتخابات؟
المجتمع المدني قائم وموجود لاسيما أنه عبارة عن اجتماع دائم للناس (علي علوش)
increase حجم الخط decrease

ربما تكون الانتخابات التي جرت أخيراً قد شكّلت بداية مرحلة جديدة للمجموعات المدنية للدخول في العمل السياسي وتشكيل تحالفات وجبهات سياسية قائمة على برامج سياسية. إذ برزت في الموسم الانتخابي مجموعات تشاركت في عنوان عريض تمثّل في مواجهة قوى السلطة الفاسدة، لكنها اختلفت مع بعضها البعض بشأن سلاح حزب الله ومدنية الدولة وآليات العمل وعقد التحالفات. فهل ساهم المجتمع المدني في فرز سياسي جديد في البلد؟ وهل ستنتقل تلك المجموعات إلى مرحلة جديدة في العمل السياسي؟ هل انتهى دور تلك المجموعات مع انتهاء الانتخابات؟ وإذا كانت ما تزال مستمرة، فوفق أي برنامج سياسي وأي تحالفات؟

في حديثه إلى "المدن"، يعتبر ابراهيم منيمنة، أحد أبرز مؤسسي مجموعة كلنا بيروت، أن المجتمع المدني أفرز مجموعات سياسية كان لها مواقف سياسية مختلفة ومتناقضة أحياناً. فتحالف وطني حاول امساك العصا من منتصفها عبر اتخاذ مواقف سياسية "مخففة" وعبر تدوير الزوايا إلى أقصى حد، ولم يبلور هوية سياسية واضحة كي ينتخبه المواطنون على أساسها. أما بعض المجموعات الأخرى فحاولت بلورة مواقف وهوية سياسية واضحة. فقد أثبتت التجربة أن المواطنين اقترعوا للائحة كلنا بيروت على هذا الأساس، إذ رغم ضيق الوقت والتعتيم الإعلامي والقدرات المالية البسيطة نجحت اللائحة في الوصول إلى المواطنين، بينما فشلت لوائح كثيرة رغم الحضور الإعلامي والانفاق الانتخابي الكبير.

لا ينفي منيمنة أن هناك عدم وضوح في الرؤية، بالتالي الأولوية اليوم هي لإجراء ورشة فكرية لاستخلاص العبر من الانتخابات ولبلورة الهوية السياسية وترسيخها لدى الناس. بالتالي، ستعمل المجموعة في المرحلة المقبلة على إعادة صياغة برنامج سياسي بشكل جديد، لكن انطلاقاً من الورقة السياسية التي تقدمت بها كلنا بيروت في الانتخابات والقائمة على احترام وتطبيق الدستور وسيادة الدولة على جميع لبأراضي اللبنانية.

استطاع تحالف وطني ايصال نائب إلى البرلمان. بالتالي، سيخوض التجربة في السلطة التشريعية سواء أكان عبر طرح مشاريع قوانين جديدة أم من خلال عقد تحالفات مع بعض النواب، على بعض القضايا مثل الصحة والتربية الحقوق الاجتماعية والدين العام ومكافحة الفساد، كما يؤكد أحد مؤسسي مجموعة لبلدي داخل التحالف جيلبير ضومط.

سيستمر تحالف وطني كإطار سياسي جامع لجميع المكونات. لكن بالنسبة لضومط العمل الجدي في مرحلة ما بعد الانتخابات لن يتمحور حول كيفية تنظيم التحالف والدخول في نقاش سياسي وتنظيمي قد يمتد لشهور، بل حول كيفية تأطير الناس سياسياً، عبر ذهاب كل مجموعة للعمل مع الناس الذين التقتهم قبل الانتخابات. فالأولوية هي لإيجاد أطر للتواصل تستطيع الناس الانتماء إليها، وليس تنظيمات سياسية. إذ تبين من خلال التجربة أن هناك أناساً، لاسيما بين صفوف الطبقة الوسطى، يريدون مكاناً مناسباً للعمل السياسي، خارج الأطر التنظيمية. بالتالي، التوجه سيكون بشكل أساسي لاستقطاب الطبقة الوسطى. فعلى عكس الأحزاب التي تملك الموارد السياسية والمالية لكسب تأييد الناس التي لديها حاجات مباشرة، أي الطبقات الفقيرة، دلّت تجربة الانتخابات على أن ليس لدى المجموعات المدنية الآليات المناسبة للتعاطي مع هذه الفئة من الناس. فالخطاب السياسي يعنيها لكنه لا يشكل لها معياراً للعمل السياسي، لكونها تريد الخدمة الآنية والنتيجة الفورية، وفق ضومط.

أما بالنسبة إلى الناشط مارك ضو، الذي شكّل لائحة مدنية في الشوف- عاليه، فالتوجه في المرحلة المقبلة سيكون نحو تشكيل جبهة معارضة فعّالة بوجه تحالف السلطة. فعلى مستوى المجموعات والأفراد الذين أطلقوا "مدنية" البحث جارٍ عن كيفية التحول المزمع، سواء أكان عبر تقديم الطروحات السياسية واختيار القضايا التي سيتمّ الاشتباك حولها مع السلطة، أو عبر تنظيم وتمثيل الشارع لتحريكه وفق أجندة سياسية واضحة. وفي هذا الاطار، هناك طروحات عدة برزت ودخلت حيز النقاش، فالبعض يريد تشكيل حزب سياسي على الصعيد الوطني، والبعض الآخر يريد تطوير التجارب المحلية. بطبيعة الحال، توجد أطر سياسية قائمة، من تجمعات ومنابر وأفراد، لكن عليها وضع أسس للعلاقات في ما بينها ومع الآخرين لمواجهة التحديات المقبلة.

لوضع الأمور في نصابها يذهب الباحث السياسي أديب نعمة إلى تعريف المجتمع المدني على قاعدة أنه ليس تنظيماً أو جمعيات، بل حيز من التشكل المجتمعي يقع خارج السلطة والمؤسسات التي تبغى الربح. داخل هذا الحيّز، يوجد الأفراد والمجموعات والجمعيات الاهلية، لكنه لا يقتصر عليها بل يتعداها إلى اجتماع الناس حول قضايا معينة. وعندما تتعطل آليات التمثيل السياسي والحزبي قد يعبًر المجتمع المدني عن نفسه بشكل مباشر ويتحول إلى حركة سياسية تغييرية. وهذا ما حصل في دول أوروبا الشرقية.

المجتمع المدني قائم وموجود، لاسيما أنه عبارة عن اجتماع دائم للناس، وقد برز في محطات عدّة كان آخرها الحراك الشعبي في العام 2015 وتجربة بيروت مدينتي في العام 2016. لكن هذه التجارب لم تتطور- حتى الساعة- وتتحول إلى حركة سياسية عبر طرح بدائل سياسية من منظور مدني. أما في الانتخابات الأخيرة فلم يكن هناك حركة انتقلت في وعيها، من خلال التفاعل، إلى طرح خطاب سياسي مضاد للدولة الغنائمية. ولم يكن هناك مجتمع مدني طوّر طروحاته المدنية إلى برنامج سياسي يخوض على أساسه الانتخابات. ما حصل أن عدداً من الافراد الناشطين في الجمعيات ترشحوا للانتخابات بهدف الانتقال إلى العمل السياسي، وذلك عبر استخدام الاسم المدني. لكن هذا لا يعني أن ما قام به هؤلاء كان عبارة عن حالة عبّر المجتمع المدني عن نفسه من خلالها في الانتخابات، وفق نعمة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها