الأربعاء 2018/04/11

آخر تحديث: 08:39 (بيروت)

انتخابات خارج السياسة السياسية

الأربعاء 2018/04/11
انتخابات خارج السياسة السياسية
جمهور المدنيين والديمقراطيين واليساريين يخوض انتخاباته تجميعياً (علي علوش)
increase حجم الخط decrease
 

القراءة في بيانات القوى السياسية المشاركة في الحملات الانتخابية، مثل القراءة في بيانات الأفراد والتجمعات الناطقة باسم المجتمع المدني، وإذا كان متعذراً القول بتطابق بيانات الطرفين، فإنه من الواقعي القول إنهم يتلون الرسالة الانتخابية المكتوبة في بيان مشترك واحد. هذا الاختلاط على المستوى الإعلاني والإعلامي العام، يقتضي تظهيره حسب معطياته الواقعية، أي أنه من المفروض قراءته سياسياً من خارجه، لملاحظة إشارات السياسة المعترضة فيه، من الجانب المدني الديمقراطي العام، ولملاحظة مدى النفاق السياسي في جانب القوى الطائفية المتحكمة بمسار السياق الوطني اللبناني وبمصيره.

الكتل الأساسية الطائفية لم تتحدث بلغة سياسية وطنية عامة، وبعضها جاهر بخطاب فئوي تعبوي حاد، وبعض منها كرر ما هو معروف في خطابه السياسي والاستقلالي، لكن خارج ذلك لم تتقدم الكتل، مجتمعة ومتفرقة، بما يفيد أنها تضيف جديداً إلى كلامها المكرور منذ سنوات وسنوات.

تيار المستقبل، يحتل الموقع المتقدم في السنية السياسية، من خلال شخص رئيسه، رئيس الحكومة اللبنانية، سعد الحريري. خطاب التيار هذا كان وما زال متمنطقاً بكلمات الدولة والسيادة والوسطية، ويشدّ حزامه التعبوي بكلمات تتناول حزب الله بالإسم، كمخالف لمنطق السيادة، ولتمام عقد معنى الاستقلال. ما خلا ذلك يشيح التيار المستقبلي النظر عن المحاصصة المفسدة والفاسدة التي صارت بنياناً راسخاً، زعزع ويزعزع، أسس البنيان الوطني، وجعلها ويجعلها، عرضة لمخاطر الانهيار. سياسة اللاسياسة المستقبلية، تقديم مهمة استنفار العصب المذهبي على حساب مهمة استنفار العصب الوطني العام. ما يسهل معه القول، إن بيانات تيار المستقبل وسياساته، ما زالت تفتقر إلى السياسة، إذا كانت السياسة إصلاحاً بنيوياً يصيب مفاصل النظام اللبناني، وما زالت تفتقر أيضاً إلى مضمون السيادة والاستقلال وتحصينهما بما يلزم من علاقات دولية وعربية. هذا إذا كانت السياسة مطلباً مستقبلياً يستهدف تطوير الصيغة اللبنانية الداخلية وتطوير ميثاقها، بما يجعل المستقبل اللبناني ممكناً بالولادة، ولو البعيدة، بعد أن تكفلت جملة من تراكمات ما بعد الطائف، بجعل ولادة لبنان ممكن وكأنها ضرب من الأوهام.

استبطان المذهبية في اللغة المستقبلية، يجد نقيضه في اللغة المذهبية لدى حزب الله، وهذا يعلن ذلك على الملأ حين يحوِّل فعل الاقتراع إلى مناسبة إعلان "وفاء للمقاومة"، وعندما يبادر إلى تصنيف جمهرة المرشحين من غير صفوف موالاته، فيوزع تلك الجمهرة على "جهلة" لا يعرفون ماذا يفعلون، وعلى "أعداء" يُقدِمون على فعلتهم عن سابق تصور وتصميم. في الخطاب هذا الذي يعتمده أحد طرفي "الثنائية الشيعية"، لا تعريف للآخرين إلا بمدى اقترابهم منه، ولا موقع لمن لا يقول قول ذلك الطرف، إلا موقع الخصم والعدو، وفي مقابل وكالة الوطنية الحصرية التي ينسبها خطاب حزب الله إلى لغته، يصير من لا يقول بصحة هذه الوكالة غير ذي صفة، مما يجوز معه "ملاحقته" بجرم التزوير واستعمال المزور، وعن قصد مسبق أيضاً. لا يشير خطاب حزب الله إلى منظومة الفساد، مع العلم أنه جزء من إدارتها ضمن سلطتي التشريع والتنفيذ، وهو لا ينجو بالكامل من شظاياها، في أزقة اليوميات اللبنانية، وفي دهاليز صفقاتها المشبوهة.

المارونية السياسية، من خلال التيار الوطني الحر، بات تناقضها مكشوفاً على الملأ، فما يفعله أقطابها هو غير ما ينطقون به، وما فاح من روائح الفساد بات مدار كلام على الألسنة وفي وسائل الإعلام. لقد جرى تصنيف التيار الوطني الحر مسبقاً في السياسة، عندما انحاز إلى محور داخلي تهمته خروجه على السيادة، ولم تنفع في هذا المجال مطولات الشرح عن معنى السيادة أو الاستقلال، كما يرى ذلك المعنى مريدو التيار ومنظروه، لذلك كانت الميزة المنتظرة من هذا التيار، هي ميزة التصدي للفساد، عملاً بمقولة "لا خيل عندك تهديها ولا مال" سيادياً، لذلك فليكن عندك مما ذكر أعلاه، فتهديه إصلاحياً وديمقراطياً.

واقع القوات اللبنانية، الطرف الآخر في الثنائية الأقوى مارونياً، مشوب بماضي القوات الثقيل، وأقطاب هذه الأخيرة عندما ينطقون "نضالاً" فإنهم يصنفون من ناضلوا ضدهم قديماً، عدوّاً حالياً، وهم إذ يقولون بمقاومة "عين الرمانة، أو زحلة أو الأشرفية"، فإنما يعيدون إحياء الخلافات التي انقسم حول مواضيعها اللبنانيون، بدءاً من أي لبنان نريد، مروراً بمعنى من هم أعداء لبنان، وصولاً إلى تحديد موقع لبنان ودوره فوق خريطة صراع العرب ضد الأخطار التي تهدد مصيرهم الجمعي والوطني، أي بالجملة والمفرق، هذا الصراع الذي ما زالت إسرائيل تحتل رأس قائمته من دون منازع.

جمهور المدنيين والديمقراطيين واليساريين، يخوض انتخاباته تجميعياً، وحيث يحاول البعض التمايز، يظل تمايزه محدوداً ببيان، أو سجين الدوائر الحزبية المغلقة. وإذا كان من مهمة راهنة ومطلوبة لكل ذلك الجمع الملون، فما من مهمة تتقدم على الإفصاح السياسي الذي يشير إلى معضلات الوطن، أثناء الانتخابات، وما بعدها، وفق نفس تأسيسي يربط المقدمات بنتائجها.

على دروب "أصول" الطائفيات والمذهبيات، تسير الفروع، وما الاختلاف بينها سوى اختلاف ألوان أعلامها الحزبية، أما الخلافات، حيث وجدت، فلها منطقٌ سياسيٌّ يطول.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها