الأحد 2018/04/01

آخر تحديث: 05:54 (بيروت)

خذوا الأسرار من النواب: توظيفات لأسباب انتخابية

الأحد 2018/04/01
خذوا الأسرار من النواب: توظيفات لأسباب انتخابية
يعمل 300 ألف موظف في القطاع العام (علي علوش)
increase حجم الخط decrease

في وقتٍ التزمت الحكومة أمام مجلس النواب والرأي العام بوقف الهدر ومنع التعاقد والتوظيف العشوائي من خارج ​مجلس الخدمة المدنية​، تشهد البلاد، بإداراتها الرسمية ومؤسساتها العامة، أكبر وأسوأ موجة من التوظيفات والتعيينات الإدارية في مختلف مؤسسات الدولة وأجهزتها. وقد بلغت الآلاف، وينحصر هدفها بشراء ضمائر الناخبين لتأييد مرشحي أهل السلطة.

كشفت كلمات النواب في مناقشات جلسة الموازنة العامة الوضع المأساوي الذي تشهده الدولة اللبنانية في ظل تلزيمات تجري عموماً بلا مناقصات، وتعيينات بلا مباريات، فيما يتم الإنفاق خارج أي رقابة. فحضرت في مداخلات المتحدّثين محميّات التوظيفات المشبوهة والإنفاق المخالف للقوانين، التي تمثّلها عقود شركات الاتصالات والنفايات والاستشارات، فضلاً عن التعيينات بالواسطة والمحسوبيات.

إذ يعمد بعض أهل السلطة بصورة منهجية مستمرة إلى تسخير الدولة بإداراتها ومؤسساتها وأجهزتها لخدمة مصالحهم الانتخابية، وذلك عبر زرع المحاسيب في مراكز القرار الإدارية والأمنية في الدولة، ناهيك بالتشكيلات القضائية التي فرضتها الحكومة على مجلس القضاء الأعلى، التي يتفق المعنيون على وصفها بأنها تخالف أبسط القواعد التي تعزز ثقة الناس بالعدالة والقضاء، كما تخالف، في مراكز عديدة، مبادئ الجدارة والنزاهة والتراتبية، بحيث طغت عناصر الانتماء السياسي والحزبي والانتخابي على هذه المبادئ. ما يشكل ضرباً للسلطة القضائية وإساءة إلى عدد كبير من خيرة القضاة. ولتحقيق ذلك، أطيح بآلية التعيينات في مراكز الفئة الأولى، واعتمدت سياسة المحسوبيات والتبعية في معظم التعيينات، فتحول قسم لا يستهان به من الموظفين إلى عاملين في مكاتب أهل السلطة المرشحين ومنازلهم ومكاتبهم الحزبية أو الوزارية.

وزير المال علي حسن خليل لا ينفي وجود توظيفات خارج إطار التعيينات، من دون أن يعتبرها مخالفة للقانون، معرباً عن أمله بالوصول إلى مرحلة يتم فيها الالتزام والتعاقد مع الفائزين في امتحانات مجلس الخدمة المدنية فحسب.

لكن، وحتى ذلك اليوم، يبدو أنّ شيئاً لن يغيّر الواقع. رئيس المجلس النيابي نبيه بري يؤكد عدم شرعية وقانونية الوضع الراهن، ويجزم بأنّ التعاقد مع مئات المتعاقدين والأجراء في جميع الوزارات والإدارات العامة من دون استثناء غير مقبول، خصوصاً أنه يلقي أعباء كبيرة على كاهل الدولة في ظل الظروف الراهنة. إلا أنّه يرى أنّ المشكلة تكمن في قانون الانتخاب العتيد، إذ كان يفترض أن ترد فيه مادة تمنع منعاً باتاً التعيينات خلال فترة ما قبل الانتخابات، على حدّ قوله.

من جهته، يعتبر النائب بطرس حرب أن إدخال الموظفين والمتعاقدين في الخارجية والطاقة وأوجيرو رشى انتخابية، مشدداً على أنّه يستحيل أن تكون الانتخابات النيابية نزيهة في ظل بازار التوظيفات، خصوصاً أن عدداً لا يستهان به منها جرت في مؤسسات متوقفة عن العمل لا تحتاج إلى موظفين جدد، بل إلى تصفية ملاك العاملين فيها. ولهذه الغاية، وجّه حرب في شهر كانون الثاني 2018 كتاباً إلى رئيس الحكومة، يطلب فيه إفادته عن عمليات التوظيفات والتعاقد التي حصلت منذ تولي الحكومة الحالية السلطة، وعن كلفتها المالية وتفاصيلها ومصادر تمويلها وأسماء من تمّ توظيفهم واختصاصاتهم العلمية، وذلك استناداً إلى أحكام قانون الحق في الحصول على المعلومات رقم 28/2017. ولأن الحكومة لم ترد، عاد وأرسل كتاباً آخر في شباط 2018، ورغم ذلك فهو لا يزال ينتظر الجواب من دون نتيجة.

في هذا السياق، تؤكد مصادر وزارية لـ"المدن" أنّ 300 ألف موظف يعمل اليوم في القطاع العام، أي ربع حجم القوى العاملة في لبنان، يتوزعون بين 25 ألفاً في الإدارات الرسمية والوزارات، و115 ألفاً في البلديات والمؤسسات العامة، مثل الكهرباء والمياه والتبغ ومشروع الليطاني، و120 ألفاً في القوى الأمنية والعسكرية، و40 ألفاً في قطاع التعليم في مستوياته كلها، إضافة إلى سكك الحديد غير العاملة أساساً في لبنان. ويبلغ عدد المتعاقدين الذين يتقاضون رواتب 70 ألفاً، معظمهم من العسكريين.

وتشدد المصادر على أن عدد الموظفين في هذا القطاع يدل على أزمة اقتصادية ومؤشر سلبي، في ظلّ ارتفاع نسب البطالة في البلاد. إذ إنه وبغض النظر عن الجدارة المطلوبة يتم توظيف أكثر من 50% من هؤلاء تلبية لرغبة الوساطات السياسية والطائفية، إضافة إلى الرشى، موضحة أنه يتم التعاقد مع موظفين محسوبين على جهات سياسية، على أن يتم اخضاعهم بعد سنوات لمباراة محصورة في ما بينهم، تكون نتائجها معروفة لمصلحتهم سلفاً.

عليه، تؤكد المصادر ضرورة أن تخرج الوظيفة العامة من نطاق المزايدات والمحاصصة والتجاذبات السياسية والفئوية، لكونها تتعلق بخدمة المجتمع وتأمين سير المرافق الحيوية. فالبلاد لم تعد تتحمل استخفاف بعض المسؤولين بعقول الناس، ولا تتحمل الدخول في أجواء تشنجات جديدة على قاعدة المحاصصة والطائفية والمذهبية.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها