النقطة الثالثة والأساسية، هي أن باسيل من خلال إصراره على الثلث المعطل، يهدف إلى تحقيق مكسبين كبيرين (على حساب الجميع طبعاً). الأول، أن يكرّس منطق حصول رئيس الجمهورية "القوي" مع فريقه، على ثلث معطّل في الحكومات المتعاقبة. وهذا يوحي بتكريس عودة شطر مهم من الصلاحيات الرئاسية التي كانت قد انتُزعت، وفق "اتفاق الطائف". استعادة لصلاحيات رئاسية واسعة عملانياً وليس معنوياً فقط. فيكون الرئيس حينها، قادراً على فرض شروطه حول تحديد جدول الأعمال، وتسيير الشؤون الحكومية. المكسب الثاني، هو التأسيس للمرحلة المقبلة، أي الاستعداد للإنتخابات الرئاسية الآتية، والتي يريد باسيل لهذه الحكومة أن تهيئ الأرضية اللازمة لمعركته فيها، مقابل تحجيم الآخرين، وتطويقهم في الثلث الذي يستند إليه.
توجس حزب الله
لا يبدو حزب الله مهتماً بكل هذه التفاصيل. لكن، أيضاً عند البحث في موجبات معارضة هذا الثلث من دون الحلفاء، فإن حزب الله يوحي بأنه يرفض مبدأ الإستفراد أو الإستقواء. وهنا، ثمّة من يعود بالإستذكار إلى أيام التفاهم العميق بين التيار الوطني الحرّ وتيار المستقبل، وبين رئيسي الجمهورية والحكومة، منذ ما بعد التسوية الرئاسية. حينها أكد حزب الله، بأكثر من طريقة، بأنه لن يسمح بعودة زمن الثنائية المارونية - السنية، ومن يعارض هذه، فبالتأكيد لن يسمح لمنطق الفردية بدلاً من الثنائية.
كل الأجواء الإيجابية، التي يجري بثّها إعلامياً، ليست إلا نوعاً من زوابع جديدة في فنجان الأزمة. فلا الفنجان سينكسر ولا الزوبعة ستخرج منه. طريقة الخروج من المأزق واضحة، ولم يعد من لبس فيها: أن يتنازل رئيس الجمهورية عن وزير من حصته لصالح توزير سنّة اللقاء التشاوري، أو أن يتنازل رئيس الحكومة المكلّف. ولدى توجيه السؤال إلى حزب الله، بأنه هو من يفسح المجال أمام هذا التعطيل، ولو أراد الحل للجأ إلى الضغط على باسيل ورئيس الجمهورية لتشكيل الحكومة، لكنه يفضّل عدم تشكيلها حالياً، في ظل الظروف الإقليمية والعقوبات وتداعياتها.. فإن حزب الله لا يقيم أهمية لهذا الكلام، ويعتبر أن من يرى ذلك، فهو لا يعرف الحزب ولا طريقة تفكيره.
وهنا ثمّة من يذكّر بالمواقف العنصرية التي أطلقها باسيل، وتصريحاته الأخرى التي اعتبر فيها انه يريد العيش بسلام الجيرة مع إسرائيل، وبأن لا خلاف أيديولوجياً معها، فيقول مقربون من الحزب: "هل كان حزب الله يوافق على مثل هذه التصريحات؟". والأمر نفسه بالنسبة إلى سلوك باسيل الإنتخابي، والهجوم على حركة أمل ورئيسها، أو السعي قدر الإمكان لإسقاط الشيخ حسن زعيتر في جبيل، فهل هذه حصلت بناء على صمت حزب الله؟ يرى الحزب أن باسيل يستند إلى بعض نقاط القوة لديه، ولدى رئيس الجمهورية من جهة، ولكنه أيضاً يستند على ضعف الحريري وعدم صموده دفاعاً عن صلاحياته.
التعطيل والتلميح
تصرّفات باسيل تدفع إلى تآكل العهد، وتآكل الإقتصاد معاً، حسب ما تشير مصادر متابعة، معتبرة أن كل الكلام الذي يحمّل حزب الله مسؤولية العرقلة، هو ذرّ للرماد في العيون، وينطلق من حسابات سياسية. وهنا تكشف المصادر أن خلال اللقاء بين رئيس الجمهورية ووفد حزب الله، كان التوافق الإستراتيجي متجلّ، ولكن هذا مفصول عن الوضع مع باسيل، الذي أيضاً يحاول تحميل الحزب مسؤولية تدهور الإقتصاد وعرقلة المؤسسات. وترمي المصادر إلى ما لمّح إليه ربما وفد الحزب في بعبدا لرئيس الجمهورية، حول تعطيل البلد لثلاث سنوات ونصف السنة، سنتان منها لانتخابه رئيساً، و11 عشر شهراً لتوزير باسيل، وشهر لتحقيق مطلب باسيل في حكومة الرئيس تمام سلام. كل هذا التعطيل لم يأت أحد على ذكره وذكر آثاره السلبية على الإقتصاد والمؤسسات، وفقط المطالبة بعدم الإحتكار وتمثيل النواب الستة هي التي ستؤدي إلى الإنهيار؟
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها