الثلاثاء 2018/12/11

آخر تحديث: 00:16 (بيروت)

السنّية السياسية يتيمة "الطائف" المغدور

الثلاثاء 2018/12/11
السنّية السياسية يتيمة "الطائف" المغدور
السنّية السياسية الآن كالمارونية السياسية في التسعينات (Getty)
increase حجم الخط decrease
حوّلت التسوية الرئاسية الأخيرة تيار "المستقبل"، وما يمثّله من توازن طائفي، إلى الطرف الأضعف في المعادلة اللبنانية. كانت السنّية السياسية هي الطرف الأقوى في الحقبة المبتدئة باتفاق الطائف. وصل الأمر ببعض القوى إلى وصف الطائف، وكأنه أجري لتعزيز موقع السنّة في المعادلة. طبعاً كانت هذه المعادلة وكل توازناتها خاضعة لضوابط سورية. في حقبة ما بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وتدرّج حزب الله صعوداً إلى واجهة المشهد. تراجعت السنّية السياسية إلى موقع المتكافئ مع الشيعية السياسية، فيما كانت المارونية السياسية تسعى لاستعادة دورها، مستندة إلى تحالف بين التيار الوطني الحرّ وحزب الله. هذا التحالف أضعف السنّية السياسية أكثر، وجعلها قوة مستلحقة، تقوم في حراكها السياسي على مبدأ ردّ الفعل وليس الفعل، في سبيل الحفاظ على الدور والمكتسبات.

التراجع وثمن السلطة
أصبح السنّة بعد العام 2006 تحديداً، في موقع بالكاد يتوازن مع الشيعية السياسية، والمستلحقة بالتحالف الشيعي المسيحي. استمرّ التراجع بصيغة تقديم تنازلات، وصولاً إلى مرحلة الأفول التي نتجت عن إقالة حكومة الرئيس سعد الحريري، وتشكيل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي. حينها انتصرت الشيعية السياسية، وأثبت حزب الله للجميع أنه قادر على فرض الشروط التي يريدها.

تكرّس منطق "الأفول" في غياب الحريري عن البلد لسنوات. تضعضع تياره، وضاعت رؤيته السياسية. فلم يعد أمامه سوى البحث عن كيفية العودة، ولو استلحاقاً بالتحالف القائم، صوناً لمصلحة الطائفة ولمبدأ المشاركة في تركيبة السلطة. لم يعد يحتمل تيار "المستقبل" البقاء خارج السلطة. سلك أسهل الطرق للعودة إليها، وهي تقديم المزيد من التنازلات، في سبيل تعويض ما خسره. كان أمام الحريري خياران، إما العودة بالشكل الذي عاد به، أو عبر تأليف جبهة إعتراضية، وحركة معارضة ترتكز على إحياء حالة شعبية واسعة، لفرض وجوده مجدداً، كما حدث في ربيع 2005.

لكن الإنهاك المالي والخدماتي، الذي عاناه "المستقبل" في تلك الفترة، دفعه إلى الخوف من ردّ فعل الناس في التجاوب مع طروحاته. خاف من الذهاب إلى الإنتخابات وهو في حالة إعتراضية، فشارك وأسهم بقوة في تمديدين للمجلس النيابي. ربما تجنّباً لما هو أسوأ. وحتى الأكثرية النيابية التي كانت بحوزته طوال فترة التمديدين، لم يحسن المستقبل توظيفها سياسياً. في النهاية، توّج كل هذا الارتباك بخيار التسوية الرئاسية. خيار كان يظّن أنه سينقله إلى طرف متكافئ أو متوازن، مع قوتين أساسيتين، أصبحتا مقررتين في المعادلة. أي حزب الله والتيار الوطني الحرّ، وعلى رأسه رئيس للجمهورية. لكن توضح بجلاء، أن الحريري كان الطرف الأضعف في هذه المعادلة.

آثار الضعف تظهر حالياً في معادلة تشكيل الحكومة، بعد أن ظهرت في تبدل النفوذ وقدرات التوظيف والتعيينات في الإدارات العامة، بالإضافة إلى تكريسها نيابياً، إن في قانون الإنتخابات، أو في النتائج التي أفرزها.

فرنسا والسعودية
يشبه واقع السنية السياسية في هذه المرحلة، ما كان عليه الوضع السياسي للمسيحيين في مرحلة ما بعد إتفاق الطائف، وأثناء عهد "الوصاية" السورية على لبنان. وعلى الرغم من الإتكاء المسيحي على فرنسا، بوصفها الأم الحنون الراعية لوجودهم ومصالحهم ودورهم المؤثر، إلا أن الحسابات الفرنسية كانت مختلفة. إذ دعمت حينها السنّية السياسية، إستناداً إلى العلاقة الممتازة بين الرئيس الفرنسي جاك شيراك والرئيس رفيق الحريري، فتغيّب المسيحيون حضوراً، إلا تحت العباءة الحريرية أو السورية.

 اليوم، تشبه علاقة السنّة بالسعودية، علاقة الفرنسيين بالمسيحيين في تلك المرحلة. مع فارق أن الفترة السابقة كانت السيطرة فيها للنظام السوري، الذي يستند إلى تفاهم عميق مع أوروبا وأميركا، ينطلق من تقاطع في المصالح وحسابات الأمن والاستقرار. على عكس ما هو حاصل اليوم، لجهة خضوع لبنان لحزب الله وإيران بشكل مباشر، اللذين يواجهان دول الخليج ويهددان أمنها.

التعقيدات المستحكمة بآلية تشكيل الحكومة اليوم، ستؤدي إلى المزيد من الضعف لدى الطائفة السنّية. وهذه لن تقف عند حدود هذا الإستحقاق. ستتطور لاحقاً لتطال الجوانب الجوهرية في أسس النظام والصيغة أو الطائف برمته. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها