الخميس 2018/11/29

آخر تحديث: 00:55 (بيروت)

من يحكم في نزاع القضاء الأعلى ونادي القضاة؟

الخميس 2018/11/29
من يحكم في نزاع القضاء الأعلى ونادي القضاة؟
مجلس القضاء الأعلى في اجتماع مع رئيس الجمهورية (دالاتي ونهرا)
increase حجم الخط decrease
منذ انطلاقتها قبل شهرين، لا تزال حدّة موقف مجلس القضاء الأعلى من جمعية "نادي قضاة لبنان" آخذة بالتصاعد. مجلس قضاءٍ لا يعترف بشرعية نادي القضاة، ونادٍ يصرُّ على شرعية تجمّعه. وضمن هذا الإطار، تدور معركة القضاة في بيتهم، أيّ داخل سلطتهم القضائيّة وفضائها. وفي الإطار نفسه، كثيرٌ من المواقف والخلافات، والمعارك المعلنة وغير المعلنة، في سلكٍ قضائي لا يبدو بأحسن أحواله.


التجاهل المتبادل

بين الشرعيّة واللاشرعيّة، لم تُحسم المعركة لصالح أحدٍ حتّى الآن. من جهة، يتجاهل مجلس القضاء وجود النادي، ومن جهة أخرى، يدير النادي أعماله متجاهلًا بدوره تجاهل المجلس لشرعيّته.
وضع نادي قضاة لبنان، منذ تأسيسه، سلسلة مبادئ يقوم عليها. فهو جمعية، تحمل ن الشعار ذاته لـ"قافلة" الجمعيات في لبنان: لا تتوخى الربح. رسم النادي خارطة أهدافه في مسارات مختلفة: المساهمة في تحقيق استقلالية السلطة القضائية، وترجمة هذه الاستقلالية عملياً من الناحيتين المادية والمعنوية. تعزيز معايير الحياد والنزاهة والتجرد، والتأكيد على وجوب الالتزام بقواعد الأخلاقيات القضائية. العمل على تعزيز كرامة القضاة، والدفاع عنها، مع تغليب روح المساءلة والشفافية، فيكون لها الحق في الادعاء والتدخل، في دعاوى الجرائم الواقعة على القضاء والقضاة، من أعمال شدة وتحقير وذم وقدح. إقامة الأنشطة المختلف. تحقيق تواصل القضاة فيما بينهم، ومع جميع المؤسسات المعنيّة بشؤون القضاء. التعاون مع رابطة قدامى القضاة، و العمل على تعزيز التدريب المستمر للقضاة.

ورغم الأهداف "النبيلة" التي يرفعها النادي، لا يزال مجلس القضاء ثابتًا على موقفه، في نسف الشرعية عنه، لاعتبار أنّ القضاء في لبنان يحمل صفة "السلطة". وبالتالي، لا يحقّ للقضاة التجمّع في جمعياتٍ ونوادٍ، خارج إطار هذه السطة. لكنّ إصرار كلّ طرفٍ على موقفه، وسّع الفجوة بينهما. فهل يأخذ خلافهما شكل المعركة؟


النادي: نحن لا نتحدّى أحد

يرتكز نادي قضاة لبنان في شرعية تجمّعه، على المواثيق الدولية، التي تقرّ بـ "حقّ القضاة في التجمّع"، وأنّ وجود جمعيات وأندية قضائية، تسهل وتزيد من فرص تعزيز استقلالية القضاء. يشير مصدر مسؤول في النادي، الذي يضم نحو 90 قاضيًا، من مختلف محافظات لبنان لـ "المدن" (لا يمكن ذكر اسمه بموجب التحفظ)، أنّه في نصّ القانون اللبناني، لا يوجد مادة تمنع منعًا صريحًا تجمّع القضاة. كذلك، ثمّة مواثيق وقّع لبنان عليها، وحقّ التجمع فيها مكرّس عالميا. فـ "هناك اتحاد دولي للقضاة تأسس في العام 1950 يضم 90 دولةً، فيه جمعيات قضاة، إلى جانب الاتحاد العربي للقضاة، وهو حقّ معترف فيه دوليًا للقضاة من أجل ممارسة دورهم".


يرفض أعضاء النادي، وهم جميعهم من القضاة، وصف تجمعهم بـ "التحدّي"، أو الدخول في معركة مع أحد، لا سيما أنّ مجلس القضاء، هو المولج بإدارة العمل القضائي في لبنان. ويأسف المصدر المسؤول أن يكون لمجلس القضاء رأي غير مشجّع للنادي، خلافًا لمجلس شورى الدولة وديوان المحاسبة. وفيما يؤكد المصدر أنّ عمل النادي ليس ضدّ مجلس القضاء، يشير أنّ النادي لا يضم قضاة عدليين وحسب، وإنما هناك قضاة إداريين وماليين، وقد حظي بدعم كلّ من رئيس مجلس شورى الدولة القاضي هنري الخوري، ورئيس مجلس ديوان المحاسبة أحمد حمدان، وأكدا سويًا على مشروعية النادي. فـ "لماذا يصر مجلس القضاء على رفض مشروعية التجمع؟".

يحاول نادي القضاء "تليين" حدّة الخلاف، عبر التوجّه بإيجابية إلى مجلس القضاء. إذ ما يهم أعضاء النادي، وفق المصدر، هو أن تكون السلطة القضائية موحدة الرأي، ومتضامنة، وعدم وضع الخلاف في سياق المعركة، وهو مجرّد تباين في وجهات النظر، لأن الموضوع لا يزال جديدًا. ففي تاريخ لبنان، هذه أول مرّة يوجد فيها جمعية للقضاة. أول محاولة، كانت في العام 1960، من قبل كبار القضاة، لكنّها لم تلقَ أصداء إيجابية ولم تكتمل. وفي العام 2009، شهد لبنان محاولات أخرى لتجمّع القضاة، لكنّها لم تبصر النور، على عكس التجربة الحالية.
هل يخشى النادي من العمل على "فرطه"؟ ينطلق نادي قضاة لبنان من مبدأ انضواء شرعية تجمعه ضمن قانون الجمعيات. ومجرد أن تُبلغ وزارة الداخلية النظام التأسيسي والنظام الداخلي، حسب المصدر، تصبح الجمعية منشأةً في القانون، وهو ما أعطاهم مجال انتخاب هيئة إدارية للنادي. وفي حالة تطبيق قانون الجمعيات، لا تلغى أو تُحلّ جمعية إلا بقرار من مجلس الوزراء. وبالتالي، "لايملك مجلس القضاء صلاحية قانونية لحلّ جمعية نادي قضاة لبنان".


مجلس القضاء: صامدون على موقفنا
في الوقت الذي يعتبر النادي أنّ "موجب التحفظ" لا يعني الصمت والعزلة، يستغرب مرجع قضائي في حديث مع "المدن" صيغة تجمّع نادي قضاة لبنان، فيما القانون حدّد للقضاة "موجب التحفظ". يسأل: إذا كان ممنوعاً على القضاة أن يصرّحوا ويعطوا رأيًا سياسيًا علنيًا، كيف يمكن أن ينفذوا تجمعًا مهنيًا يتحدث باسمهم؟ وإذا كان القضاة لا يستطعون الكلام كأفراد، هل يقومون بتجمّع يتحدث باسمهم؟ هذا التجمع، وفق المرجع، هو نوع من الإلتفاف على "موجب التحفظ". والبلدان التي يستشهد بها النادي، يختلف فيها وضع القضاء عن لبنان، والقاضي فيها ليس سلطةً وإنّما موظف، ويكون مجلس القضاء فيها مشكلًا من قضاة وغير قضاة. أمّا في لبنان، فمجلس القضاء يتألف من القضاة وحسب، وهذه حالة استثنائية. يتابع المرجع تساؤلاته: ما هي تحركات النادي مستقبلًا؟ هل يريدون مثًلا تنفيذ إضرابات لرفع معاشاتهم؟

يعتبر المرجع أنّ القضاة الذين تجمعوا في النادي في هذه الحالة، هم أشخاص لديهم سلطة عامة يقومون بتجييرها للقانون الخاص. وما حدث أخيرًا في الإشكال الذي وقع بين نقابة المحامين وأحد قضاة طرابلس، والتصريح "العنيف" من النادي ضدّ النقابة، حسب المرجع، خلق نوعًا من القلق لدى المعترضين على نشوء النادي، ودفعهم إلى التصلب في موقفهم بعد أن توجه النادي للنقابة بالتهديد.

في سياقٍ متصل، يشير مصدر رسمي في مجلس القضاء الأعلى لـ "المدن"، أنّ المجلس تواصل مع الوزارات المختصة، وأعطى رأيه بالأصول الواجبة للقانون. وهذا التجمع، وفق المصدر، "لم يأخذ العلم والخبر من وزارة الداخيلة حتّى اليوم، خلافًا لما يقوله". ومجلس القضاء، "لا يتعاطى مع القضيّة من منطلق الرفض وحسب، بل لأنّ هذا التجمع لا شرعية قانونية له، لا سيما أنّ المجلس هو وحده المخوّل للمطالبة بحقوق القضاة".
بيد أنّ مجلس القضاء الأعلى ينطلق من مبدأ أن القضاء في لبنان، هو سلطة، مثل السلطتين التنفيذية والتشريعية، وأنه لم يحدث يومًا نشوء نادٍ للنواب والوزراء، يشير المصدر الرسمي أن لا شيء يمكن أن يُفرض فرضًا على القضاء.
ما هي الاجرءات اللاحقة إذن؟ "حتّى يحصل تجمع نادي القضاة على العلم والخبر، عند إذن، يكون لكلّ حادثٍ حديث".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها