الثلاثاء 2018/11/27

آخر تحديث: 00:05 (بيروت)

النواب وفضيحة الرملة البيضاء: ثرثرة فوق المجارير

الثلاثاء 2018/11/27
النواب وفضيحة الرملة البيضاء: ثرثرة فوق المجارير
أحد كبار الضباط أقرّ بعلم الجهات الأمنية ومؤازرتها ومواكبتها الأشغال التي نفذها وسام عاشور (مجلس النواب)
increase حجم الخط decrease

ربما تتحول فضيحة طوفان مجارير الرملة البيضاء إلى قصة شبيهة بقصة "راجح" الكذبة، في مسرحية الرحابنة، رغم أن "راجحنا" هذه المرة لن يبيعنا الخواتم، بل ولن يأتي أبداً، وسيصير كذبة سمجة. وربما أيضاً يصح في طريقة معالجة الفضيحة الإستعانة بالكثير من الحكم والأمثال الشعبية مثل"نريد أكل العنب ولا نريد قتل الناطور"، أو ربما لا نستطيع لا أكل العنب ولا معاقبة الناطور أو حتى قتله، وفق توصيف أحد النواب، الذين شاركوا في اجتماع لجنة الأشغال العامة والطاقة والمياه البرلمانية، التي انعقدت الإثنين، لمتابعة ملف "مجارير" الرملة البيضاء، بعدما ضاع نواب بيروت الأسبوع الماضي بين الإخبار ضد مجهول "معلوم"، ودعوة مختلف الوزارات والإدارات والمؤسسات المعنية لمساءلتها أمام سلطة الرقابة (النواب أنفسهم!).

 

تضييع المسؤوليات

وكشفت متابعة هذا الملف المزيد من خبايا "دولة الفساد"، التي تحاول تضييع المسؤوليات في كل فضيحة وسرقة تُكشف. بل وهناك فضيحة إضافية، تتمثل بمحاولات لعدم تشغيل محطات التكرير، التي صرفت الدولة على بنائها مئات ملايين الدولارات، بينما يؤكد بعض النواب فتح ملف التعديات على الشاطئ اللبناني من شماله إلى جنوبه مروراً بالعاصمة بيروت.

اجتماع اللجنة، حضره حشد من ممثلي الوزارات والإدارات والمؤسسات، التي طلبتها اللجنة، بدءأ من وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق، مروراً بوزارتي البيئة والأشغال ومجلس الإعمار والمحافظ وبلديتي بيروت والغبيري ومصالح المياه وغيرها.. وصولاً إلى مدعي عام التمييز القاضي سمير حمود، لكن النتيجة للأسف المزيد من كشف خبايا "دولة الفساد"، كما وصفها لـ"المدن" أحد النواب المشاركين في اجتماع اللجنة، حيث هناك محاولات لتحميل المسؤولية ربما لمحطات التكرير، التي بنيت ولم تُشغل لأسباب مجهولة حتى الآن.

 

مليار دولار هباء

ينقل أحد المشاركين لـ"المدن" كلاماً كبيراً وخطيراً عن مدير عام وزارة البيئة الدكتور بيرج هاتجيان مفاده "أن الدولة اللبنانية صرفت ما يفوق المليار دولار أميركي، أتت إلى لبنان كمساعدات وقروض، لبناء محطات التكرير لمياه المجارير والمياه الآسنة. وحتى الآن، والكلام لا زال لـهاتجيان، "ولا نقطة مياه تصب في البحر مكررة حسب المعايير المعتمدة عالمياً".

كذلك فإن ما تكشّف، لجهة ترخيص وزارة الأشغال العامة والنقل لفندق "الإيدن باي" بإقامة مارينا، أي كاسر أمواج، فإن هذا يعني (حسب الدكتور هاتجيان كخبير بيئي): "أن شاطئ الرملة البيضاء الذي تأتي رماله من النيل سوف ينتهي".. وبالتالي القضاء على شاطئ الفقراء الوحيد في بيروت.

 

برفقة الأجهزة الأمنية!

وتتوالى فصول المفاجآت، حيث كشفت النائبة بولا يعقوبيان لـ"المدن" عن أن "أحد كبار الضباط والقادة الأمنيين الذين حضروا اجتماع اللجنة، أقرّ بدردشة جانبية مع بعض النواب بعلم الجهات الأمنية، بل ومؤازرتها ومواكبتها، الأشغال التي نفذها وسام عاشور صاحب "الإيدن باي".

وأبدت يعقوبيان تخوفها من "وجود خطة أو نية لعدم تشغيل محطات التكرير، التي يجب أن تترابط مع بعضها البعض، لتنقية مياه المجارير أولاً، ثم معالجة ما يبقى من مواد صلبة تحتاج إلى معالجة كنفايات صلبة".

وشددت على ضرورة الإستفادة من مواكبة هذا الملف الذي طرحته هي منذ حزيران الماضي، من أجل تشغيل محطات التكرير.

وأكدت أن "المسؤولية تقع على كل من شارك بهذه الجريمة من الوزارات والإدارات والمؤسسات ومن يغطيهم من الأعلى، إذ ربما يكون وسام عاشور أقل طرف يتحمل المسؤولية، بعدما تبين أن البعض مشارك مع عاشور والبعض الآخر يغطي ويؤمن سير المخالفات".


سرقة الشواطئ

أما النائب محمد خواجة فقد أبلغ "المدن" بأن "النقاش التقني الذي دار في الجلسة لا يعنيني وهو لا يُغني ولا يًفيد. ونحن كنواب، خصوصاً نواب العاصمة، ليست مهمتنا ودورنا معرفة من أقفل وفتح هذا المجرور أو ذاك، وإنما السؤال المركزي الذي نضعه بعهدة ورسم وزير الداخلية والقضاء ورئيس بلدية بيروت والمحافظ، هو من الذي سمح بارتكاب التعديات على شاطئ بيروت، ولم يكن آخرها "الإيدن باي"؟

وأكد خواجة على "متابعة هذا الملف حتى النهاية، لأن هذا الموضوع يجب أن يمتد على كل لبنان لأن الشاطئ اللبناني يُسرق من الشمال إلى الجنوب".

وزير الداخلية نهاد المشنوق، ولدى مغادرته إجتماع لجنة الأشغال، اكتفى بكلام مبهم ربما ليزيد التعقيد والغموض إذ قال: "هناك إختلاط في التحقيقات، ما يعرقل الوصول الى نتيجة في قضية فيضان مجارير بيروت".

أما نائب حزب الله أمين شري فقال: "على القضاء أن يذهب إلى أبعد مدى ويجب أن يكون هناك تفتيش إداري ومركزي لتحديد المسؤوليات"، وقد آزره في هذا الموقف زميله في الكتلة النائب علي عمار الذي طالب "بضرورة ذهاب التحقيق إلى أبعد ما يمكن كي ينال المسؤول أيا كان المحاسبة بعد هذه الفضيحة".

أما رئيس لجنة الأشغال النائب نزيه نجم فقال بعد إجتماع  اللجنة: "جرى الإستماع لكل الجهات وخلصنا إلى تأكيد متابعة التحقيق القضائي من أجل محاسبة كل المعنيين"، رافضاً الدخول في تسميات وإتهامات قبل قول القضاء كلمته، مذكرا بما أوصت به اللجنة، حول محاسبة كل المتورطين وإتخاذ التدابير، لمنع تكرار ما حدث ومعالجة قطاع الصرف الصحي وإحصاء التعديات عليه.

في النهاية، بين من وصف عاشور بـ"المجرم" ومن يقول بأن "الدراسات غير صحيحة"، يبدو أن العمل بدأ من أجل لفلفة هذا الملف وإلحاقه بما سبقه من ملفات الفساد والهدر. وفي الأثناء، ما على اللبنانيين سوى الغرق صامتين في المستنقع الآسن الذي صاره بلدهم. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها