الثلاثاء 2018/11/13

آخر تحديث: 00:16 (بيروت)

أسئلة حزب الله... وباقي الأسئلة

الثلاثاء 2018/11/13
أسئلة حزب الله... وباقي الأسئلة
احتكار "عنوان المقاومة" والتصرف بما يضيفه التمتع بقوة السلاح (مصطفى جمال الدين)
increase حجم الخط decrease

لدى كل حديث يدلي به الأمين العام لحزب الله، تنطلق دفعات من التعليقات المرحبة أو المستنكرة. ومع كل دفعة من مادة الدفاع عن مواقف الأمين العام، أو من مادة الهجوم عليها، تصدر كتابات تعليلية يتيمة، تكون واضحة القصد ومعروفة المبتغى، من إسم كاتبها الذي يتصدر أعلى المقالة – الرسالة، أو يكتفي بالنزول تحت نقطة ختامها.

 
صياغة الانقسام

المناسبة الأخيرة التي أطلَّ فيها "نصر الله"، هي من مادة الإطلالات المبرمجة التي ينتظرها الجمع الطائفي اللبناني. وغالباً ما يكون الانتظار على توجس وترقب لدى خصوم حزب الله، في السياسة، وفي النظرة الفكرية، وفي التحالفات. ويكون الانتظار مُفرغاً من انتظاريته لدى الجمهور الذي يقول قول "السيِّد"، وينفذ ما يترتب على القول من أعمال.

 

على مادة الانتظار ومن مفرداتها، يُعيد اللبنانيون صياغة انقسامهم وليس فقط اختلافهم، مثلما يعيدون تظهير التغلب والتحكم، الصادرين عن طرف مذهبي من أطراف البلد، في مقابل القصور العام عن صياغة ردّ سياسي شامل، من موقع الهجوم السياسي الإيجابي، الذي يفيد في افتتاح سياق مغاير للسياقات التي يتخبط على منحنياتها "الوطن" اللبناني. خلاصة معاجلة التحكم – العجز، الانسحاب إلى التقوقع داخل حرم البيئة الخاصة لكل طرف، واللجوء إلى التراشق بالبيانات من خلف الأسوار، هذا في الوقت الذي تتسارع فيه حركة كل ما خلف الأسوار نحو هوّة الانهيار، وربما الاندثار!

 

وعندما يسيل حبر الكتابة، وعندما تتدافع أفكار التوقعات والتفسير والتحليل، يتلاشى تباعاً الاهتمام باللوحة الواقعية، التي تشكل الأساس المادي لكل ما يدور في أذهان المهتمين من بنات الأفكار. ربما يؤخذ ذلك على محمل الهروب من معاينة الواقع، الذي له أحكامه ومعطياته وخلاصاته، وربما يؤخذ الأمر أيضاً على محمل القفز من فوق هذا الواقع، في محاولة لتعظيم الحصة الاجتماعية والسياسية، ولو كان ذلك على حساب ما تتحمله الصيغ الداخلية المحلية، وما لا تتحمله "الميثاقية" الهشة، التي أعيد تصنيعها مرّات ومرّات، منذ ولادة هذا الكيان اللبناني العليل، مروراً بفرصة استقلاله وحتى تاريخه، أي حتى اللحظة الحالية المثقلة بكل "أحزان"، ما بعد الاستقلال.


التعطيل والتوازن 

ولكي يكون القول أكثر تحديداً، تُدرج مضامين هذا القول في سياق الوضع السياسي اللبناني الحالي، الذي عنوانه تعطيل تشكيل الحكومة، وعرقلة صياغة التوازنات المطلوبة بين أطرافها. يجب التأكيد بداية، أن التعطيل لا يعدو كونه واقع توازنات، والعرقلة المشكو منها وليدة تبدلات في مواقع القوة الداخلية، وهذه الأخيرة تستقي مادتها من مجمل السيرة التطورية لكل طرف من أطراف البنية اللبنانية، الطائفية والمذهبية. من ضمن هذا السياق التعليلي، الذي يجب أن يستند إلى الخلفية المعرفية بأوضاع كل مكوِّن من المكونات اللبنانية، يجب أن ينطلق كل قول سياسي، ذلك أنه من دون هذه المعرفة "التشريحية" العميقة، لا يمكن فهم أداء أي من المكونات الحالية، بعيداً من لغة الاستهجان أو الاستنكار أو الترحيب أو الموافقة. في هذا المعرض، يجب السؤال عن أحوال الشيعية السياسية المشكو من تحكمها اليوم، أي يجب مراجعة السياق التصاعدي الذي سلكته منذ أن صارت جزءاً من لبنان، الذي صار كبيراً، وبعد أن رفضت قيامته مع من رفض من الإسلام السياسي عموماً، ومع من رفض من بعض المسيحية السياسية أيضاً.

 

من مادة النقاش المجدي، أن الشيعية السياسية يمكن وصفها بأنها حالة ناهضة، وهذا يمكن قياسه من قبل من أراد أن يعاين من زوايا الاجتماع والاقتصاد والسياسة والثقافة، وبلغة الأرقام وتأسيساً عليها، يجب أن توصل المعاينة إلى الخلاصات التي تتناسب والقول بنهوض "الشيعية"، مع ما يلزم من الانتباه إلى المطالب المحقة التي تلازم النهوض، والمطالب المتجاوزة التي لا تتلاءم وواقع حال الشيعية السياسية، كما آلت إليه أوضاعها.

 

مقولة "الحقوقية" ليست حكراً على الشيعية السياسية، بل إن المقولة تطال بمضمونها كل أفرقاء التشكيلة اللبنانية، بالتلازم مع ما صارت إليه أحوالهم العيانية، وبالسير ما أمكن واقعياً، على صراط التوازنات الدقيقة، التي تحفظ ما يمكن حفظه من مفهوم ومعنى "الميثاقية" اللبنانية.


الضعفاء 

قد يصف البعض الشيعية السياسية اليوم بأنها باتت حالة "طافرة"، بعد أن كانت حالة ناهضة، أي أنها خرجت عن سلة مطالبها الحقيقية إلى عرض بضاعتها التحكمية، ولا يخفي صاحب الوصف أن الأمر مرتبط بامتلاك "عنوان المقاومة" واحتكاره، والتصرف إستنسابياً بما يضيفه التمتع بقوة وتفوق السلاح. هذا أمر صحيح، لكن ما جعل ميزة السلاح قوية إلى هذا الحد، هو الضعف المتصاعد الذي نال من بقية الأطراف الطائفية والمذهبية. الإلمام بذلك يتطلب مراجعة من باقي الأطياف السياسية، والانطلاق من سؤال لماذا نحن ضعفاء إلى هذا الحد؟ هذا قبل النقاش في خطاب قوة حزب الله وسلاحه...

 

وبعد كل ذلك، ينتقل لبنان من معضلة إلى أخرى، لأن الجميع، وبأشكال مختلفة، يخاطب نفسه والآخر من خارج الأسئلة الحقيقية، ومن فوق كل الوقائع المادية الكفيلة بالإجابة الواقعية والضرورية عن هذه الأسئلة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها