الأحد 2018/11/11

آخر تحديث: 16:26 (بيروت)

لبنان حزب الله: اسبرطة الصواريخ ويونان الانهيار الاقتصادي

الأحد 2018/11/11
لبنان حزب الله: اسبرطة الصواريخ ويونان الانهيار الاقتصادي
حصر جنبلاط ردّه على نصر الله بالشق الإقتصادي و"الحوار" لمنع الإنهيار (الإعلام الحربي)
increase حجم الخط decrease

 

هو الإشتباك الكلامي الأوّل من نوعه، بين الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، ورئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط، منذ العام 2008. الفارق بين الأمس واليوم، أن سياسة رفع الإصبع التي اتبعها نصر الله قبل أحداث السابع من أيار 2008، كانت علامة "هجومية" ضد الخصوم، وتصميماً على إعادة صوغ وجهة لبنان السياسية.

 

رئة للتنفس وحسب

كان خصوم الحزب موقنين إنها معركة الحزب للسيطرة على البلد. كان مسار الحزب وحلفائه، المبتدئ عملياً في خريف العام 2006، هو "الانتفاضة المضادة" لإنتفاضة شباط - آذار 2005، وبات واضحاً في أيار 2018 أن الحزب حقق مبتغاه، عندما جرت الإنتخابات النيابية على أساس قانون جديد، أثمر إنجازات وخروقات في كل البيئات والطوائف، وأرسى له أكثرية كادت تلامس الثلثين.

 

الفارق في الإشتباك الكلامي بين جنبلاط ونصر الله في الـ 2018، عن ما كانه قبل عشر سنوات، هو أن المواقف المتخذة اليوم، لم تعد تتعلق بمواجهة حزب الله ورفض تسيّده على البلد. الجميع سلّم بالأمر الواقع. إنما مردّ الإشتباك أشبه بشهقة المغلوب للبقاء على قيد الحياة، الرغبة بالحفاظ على ما تبقى من هذا البلد ولو تحت سيطرة حزب الله. وبلغة أوضح: الدفاع عن رئة التنفس للقوى السياسية، ومنع حصول أي تدهور مالي أو اقتصادي، في ضوء التقارير المخيفة، التي يتحدث عنها السياسيون في مجالسهم، والتي تنذر بإمكانية حصول ما حصل لليونان.

 

الهزيمة المدوّية

يقال: "في السياسة لا مجال للعواطف". وإذا كانت تقوم على مبدأ المصالح، فلا بد من مقاربتها وفق هذا المنطق. مصلحة كل طرف تقتضي تعزيز قدراته، وتمتين مصادر قوته وموارده. هذا بالضبط ما نجح حزب الله باكتنازه، متدرّجاً في ثلاث مراحل رئيسية، للوصول إلى ما وصل إليه في السنوات العشر الأخيرة. إنها المسيرة المظفرة المنطلقة من "ولّى زمن الهزائم، وجاء زمن الإنتصارات"، إلى "كما وعدتكم بالنصر دائماً أعدكم بالنصر مجدداً". والآن، الشعار الجديد "ولّى زمن التواضع" الذي رفعه نصر الله داخلياً، ليضاف حتماً إلى الشعارات الأخرى التي تتعلّق بـ"محاربة الإرهاب التكفيري" و"السلاح لحماية السلاح". كل هذه التدرجات أدّت إلى تحقيق الحزب لانتصاره المؤزر، والذي (لا بدّ) ستتم ترجمته في المرحلة المقبلة سياسياً ودستورياً.

 

مراحل تدرّج "الانتفاضة المضادة" أصبحت واضحة. مواجهة إسرائيل وحصرية المقاومة، فرضت توجهات سياسية خارجية مقيّدة للغة لبنان الدبلوماسية. بعد ذلك، أتت مرحلة محاربة الإرهاب التكفيري والمشاركة في الصراع السوري، وما نتج عنها من إنعكاسات داخلية تعمقت إلى حد عدم توفير الحماية لأي معارض سوري في لبنان مثلاً، ووسمت أي متعاطف مع الثورة السورية بالإرهاب. بالمقابل، سرعان ما أعلن الآخرون استسلامهم. بعضهم من خوف له مبرراته ومبالغاته، والبعض الآخر من فرط عقلية المقاول، وطمعه بحصة مفترضة في إعادة إعمار سوريا.

 

في نهاية المطاف، نجح حزب الله برسم سياسة لبنان تحت عنوان "مواجهة الإرهاب التكفيري"، ممسكاً بآلية صنع القرار، وبآلية إنتاج السلطة.

تطور الخطاب إلى "ولّى زمن التواضع"، ليس إلا نتاج هذا المسار الهجومي لحزب الله، والإستسلامي لخصومه.. الذين ضاقت بهم السبل، وافتقدوا أي مقومات للصمود أو المواجهة. فكانت لحظة إعلان الإستسلام في الواحد والثلاثين من شهر تشرين الأول عام 2016، يوم انتخاب حليف الحزب الإستراتيجي ميشال عون رئيساً للجمهورية. يومها تمّ إعلان الهزيمة المدوية لخصوم الحزب، وتسليمهم له الوجهة السياسية للبلد. وكانت الثمرة الأولى قانون الإنتخاب والنتائج التي عكسها، والتي لن يتنازل حزب الله عن تثبيت نتائجها في الحكومة، وأبعد من الحكومة.

 

تنبيه شديد اللهجة

وإذا كان خصوم حزب الله باتوا على شبهة "حكومة فيشي"، فإن مهام "التأديب" الأخرى تطال حلفائه، وتحديداً رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحرّ. جزء من "الرسائل" الأساسية التي أطلقها نصر الله، كانت غايتها بأن التلاعب ممنوع، لا من قبل الخصوم ولا من قبل الحلفاء. صحيح أنه جدّد التأكيد على التحالف الإستراتيجي مع عون وباسيل، إلى حد السخاء، قائلاً أنه لا يمانع حصولهما على 15 وزيراً وليس فقط على 11 وزيراً، لكن بثمن واضح، على قاعدة المقايضة المعلومة: ليأخذ الحلفاء والخصوم ما يريدون في الداخل، بشرط دفع الجزية المحتومة: الإلتزام التام والكامل بالمسار السياسي الذي يفرضه الحزب، خصوصاً الآن في لحظة إلزام لبنان خارجياً بتطبيق العقوبات الأميركية.

 

الجميع سلّم بانتصار حزب الله في لبنان، جلّ ما يطلبه الحلفاء والخصوم في آن واحد، هو تسيير أمورهم وأمور "رعاياهم". عون يريد تسيير عهده، وباسيل يريد إطلاق يده في "محلّيات" السياسة كما في الإقتصاد ومنتفعاته. الحريري قانع برئاسة الحكومة مهما كان الثمن، وربما كيفما كان. القوات وإن حافظت على خطابها، فهي لا تريد الخروج (أو الإقصاء) من التركيبة السياسية. جنبلاط  يبقى على نحو إعجازي أساسياً في التركيبة، ويعبّر بمرارة مضنية عن توقه للحفاظ على ما تبقى (من التركيبة، ومن سمات الجمهورية). الطموح الجنبلاطي ليس بالضرورة التمسك بحرفية الطائف، بل صون التوازنات المعروفة، وما تضمنه من تأمين رافد مالي وإقتصادي لاستمرار حياة الطوائف والجماعات في بلد حوله حزب الله إلى اسبرطة جديدة. لذلك، حصر جنبلاط ردّه على نصر الله بالشق الإقتصادي و"الحوار" لمنع الإنهيار، بعيداً عن سجال الصواريخ وإيران. فهذا سلّم الجميع بأمرهما. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها