السبت 2018/10/20

آخر تحديث: 06:25 (بيروت)

جبران باسيل يربح: محاصرة القوات

السبت 2018/10/20
جبران باسيل يربح: محاصرة القوات
فرض باسيل إيقاعه على عملية تشكيل الحكومة (الأرشيف)
increase حجم الخط decrease
في قراءة لمسار المشاورات بشأن تشكيل الحكومة، تبدأ جلسة سياسية بالتساؤل إذا ما كانت التشكيلة التي جرى التوصل إليها هي عبارة عن تسوية أو خسارة. لا يفصل البعض المصطلحين عن بعضهما البعض. فالتسوية الكبرى التي حصلت وأوصلت ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية، كرّست منطق الخسارة لدى ما كان يسمّى سابقاً قوى 14 آذار. والتسوية المتجددة لتشكيل الحكومة، هي عبارة عن خسارة ضمن الخسارة. تذهب الاعتيادات اللبنانية بعيداً في التفسير والتبرير، وفي إظهار كل طرف لما أنجزه وحققه، بما يحفظ ماء وجهه ولا يضعه في موقع الخسارة. لكن ذلك يبقى متعلّقاً بالطبائع اللبنانية التي تجانب اعتراف طرف ما بهزيمته أو بليّ ذراعه سياسياً.

نجح التيار الوطني الحر في تجديد انتصاره في فرض الشروط التي يريدها لتشكيل الحكومة. جملة عوامل ساعدته في تحقيق ما يريد، منها استعجال رئيس الحكومة المكلف، والنتيجة التي جاء بها أسلوب الضغط على الأفرقاء كافة. في قراءة ولو يعتبرها البعض سطحية، لا شك أن التيار الوطني الحر حقق ما يريده في عملية التشكيل. ليس على صعيد الأحجام والحصص فحسب، بل من خلال التكتيك الذي اتبّع في التفاوض على الحقائب. فمثلاً، كانت القوات اللبنانية تطالب بوزارة الطاقة، وحتى لو كانت هذه المطالبة هي من باب رفع السقف. لكن التيار أحسن السير في صيغة التفاوض هذه، إلى أن انتهى الأمر بالقوات إلى المطالبة بوزارة العدل مثلاً.

ونجح رئيس مجلس النواب نبيه بري في حماية حصته بوزارة المال. نجح رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل في حماية عدد من الوزارات التي يعتبر من المحرّم المساس بها، وعلى رأسها وزارة الطاقة، إلى جانب وزارتي الدفاع والخارجية. أخرج باسيل بتكتيكاته هذه الوزارات من سياق النقاش، وحاول أكثر من مرّة نقل الخلاف بينه وبين خصومه، إلى ما بين خصومه وحلفائهم، تارة بين القوات والحريري عبر الاشارة إلى وجوب تنازل رئيس الحكومة المكلف سد الحريري عن حصّة منه لارضاء القوات، وطوراً عبر محاولة حشر القوات وتيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي في "التنافس" على بعض الوزارات.

حتى اللحظات الأخيرة، بقيت حصّة القوات غير محسومة. وعلى أبواب المصالحة بين القوات وتيار المردة، حاول باسيل على زرع الشقاق بين الطرفين، من خلال إثارته مسألة حصول القوات على وزارة العدل، واعتبارها من الوزارات الخدماتية الست، ووضعها في بازار، بأنه إذا ما حصلت عليها القوات يجب أن تؤول وزارة الأشغال إلى رئيس الجمهورية. لأن الوزارات الخدماتية الست يجب أن توزع على مختلف القوى والطوائف. وبموجب هذه التوزيعة يحصل التيار على إحداها ورئيس الجمهورية على أخرى، وطالما أخذت العدل منه يجب تعويضه بالأشغال، وحرمان تيار المردة منها. لم يكن هدف باسيل إلا التشويش على ما يجري بين القوات والمردة، وإشغالهما باكراً بالمناوشة على حقيبة وزارية. فيما كانت القوات ترفض هذا البازار بالمقايضة بين العدل والأشغال.

مسألة ولادة الحكومة حسمت قبل أن تحسم حصّة القوات نهائياً. وبقيت الأجواء متضاربة حتى الساعات الأخيرة. وتؤكد مصادرها الحصول على العدل، بينما مصادر التيار بقيت تنفي. والطرفان يستندان إلى عروض قدّمت من الرئيس المكلف. وعلى الرغم من عدم حسم حصّة القوات، إلا أن الجميع كان في أجواء زيادة الضغط عليها، بأن عدم موافقتها على ما قدّم لها، لن يعرقل التشكيلة الحكومية، ولو اقتضى الأمر خروجها من الحكومة. الأمر الذي يرفضه الحريري، ولكن هذا الرفض لن يغيّر في حصّة القوات. وسواء أحصلت القوات على العدل أم لم تحصل، حقق التيار فرض إيقاعه على عملية التشكيل، وأثبت أنه الطرف الأساسي المقرر فيها، ليس بالاستناد إلى زيارة الرياشي إلى ميرنا الشالوحي فحسب، بل أيضاً في تخفيض مطالب القوات من المناصفة في المواقع الوزارية، وتقاسم الوزارات السيادية والخدماتية، تدرجاً بالتنازل إلى خمسة وزراء، وتالياً إلى أربعة بدون حقيبة سيادية، وبدون حقيبتين خدماتيتين.

في المقابل، تشدد باسيل بالحصول على عشرة وزراء ونصف (الدرزي التوافقي)، مقابل التنازل عن نائب رئيس الحكومة فقط. وقد تجلّى ذلك في الانتكاسة التي شهدتها مشاورات التأليف في الساعات الأخيرة، بفعل تصعيد رئيس الجمهورية، وتوجيهه رسالة إلى الحريري بالسير بحكومة بدون القوات وأن لديه وزيرين من حزب الكتائب جاهزان للانضمام إليها. هذا الكلام يرى فيه البعض تحجيماً متعمّداً للقوات، التي تعتبر أن الحصار الذي تتعرّض له متعمّد والجميع حصل على حقائب وازنة باستثنائها.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها