الإثنين 2018/10/15

آخر تحديث: 09:10 (بيروت)

ضريبة للقضاة على زيارة السجناء: وزارة العدل تتدخل

الإثنين 2018/10/15
ضريبة للقضاة على زيارة السجناء: وزارة العدل تتدخل
تدعو مصادر وزارة العدل السلطة القضائية إلى التراجع عن قرار فرض ضريبة السجناء (علي علوش)
increase حجم الخط decrease

هل وصلنا في لبنان إلى مرحلة أصبحت فيها مهمة تقويض الدولة تجري على قدم وساق بمشاركة جميع السلطات، بما فيها السلطة القضائية؟ وهل بات متاحاً لهذه السلطة المستقلة والمتوازنة والمتعاونة مع سائر السلطات، ممارسة مخالفات دستورية وقانونية بشكل طبيعي؟ كأن يلجأ مجلس إدارة صندوق تعاضد القضاة، مثلاً، إلى فرض ضريبة ماليّة على ذوي السجناء مقابل زيارة أقاربهم، وذلك من دون صدور قانون عن مجلس النواب.

فاجأ قرار القضاة غير المسبوق، والقاضي باستيفاء رسم طابع قضاة بقيمة ألف ليرة عن كلّ إذن زيارة لأي سجين، أهالي الموقوفين الذين لم يتوقّعوا يوماً أن تصل الأمور إلى درجة يضطرّون فيها إلى تمويل "صندوق تعاضد القضاة"، الذي أنشئ بهدف الحفاظ على كرامة القضاة وعيشهم الكريم وحماية عائلاتهم، في وقتٍ تفتقر الفئة الأكبر من عائلات السجناء إلى أبسط مقوّمات الحياة.

30 مليار ليرة هو الرقم الاجمالي لنفقات صندوق التعاضد سنوياً، وفق ما تؤكد مصادر قضائية رفيعة لـ"المدن"، إذ يوفّر الاستشفاء للقضاة مع أهلهم وأبنائهم، إضافة إلى تكاليف الطبابة وأقساط المدارس والجامعات والمساعدات الاجتماعية. ويغطي تكاليف علاج الأمراض المستعصية والخطيرة، علماً أنّ نحو 40 قاضياً مصاباً بالسرطان يخضعون للعلاج. وتشير المصادر إلى أنّ أحد أبرز موارد صندوق التعاضد، إضافة إلى الموازنة التي تدفعها الدولة اللبنانية البالغة 9 مليارات و300 مليون ليرة، يأتي من رواتب القضاء التي يُقتطع منها 5 في المئة، فضلاً عن الطوابع والغرامات المالية، فيما خسر الصندوق واردات محاضر ضبط السيارات.

تحرص إدارة "صندوق تعاضد القضاة" على تأمين مصادر تمويل، ويأمل القضاة تحسين أوضاعهم الماليّة وتحصين أمنهم الاجتماعي، ضمن الحدود المألوفة، ولكن هل يعقل أن يتم ذلك على حساب السجناء وذويهم؟

جملة الاعتراضات التي تلت القرار الذي لم يجد المواطنون مبرّراً منطقيّاً له، دفعت بوزير العدل سليم جريصاتي إلى توجيه كتاب إلى مجلس القضاء الأعلى لاستيضاح الموضوع. وقد ردّ رئيس المجلس القاضي جان فهد على الوزير من دون أن يتم نشر كتاب الردّ، لافتاً إلى أنّ ذلك من صلاحيات إدارة صندوق التعاضد الذي يؤيّد بدوره مطلبه لأسباب قانونية محقّة. لا ظروف خاصّة لتطبيق القرار، إلا أنّ الصندوق يبحث عن موارد تمويلية جديدة نظراً إلى الشحّ في موارده. غير أنّ جواب المجلس الأعلى لم يرق الوزير جريصاتي، وفق مصادر وزارة العدل لـ"المدن"، إذ يجوز البحث عن موارد قانونية أخرى لتمويل الصندوق، عوضاً عن سحب المال من الفقراء.

تنصّ المادة الأولى من نظام صندوق تعاضد القضاة على أن الصندوق "مؤسسة عامة تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال الاداري والمالي"، بمعنى أنّه مستقلّ عن المجلس الأعلى للقضاء. وفي حين تشير المادة نفسها إلى أنّ الصندوق "يرتبط بوزير العدل الذي يمارس عليه الوصاية الادارية"، توضح مصادر الوزارة أنّ تولّي الوزير الوصاية الإدارية على الصندوق، لا يعني أنه يستطيع أن يملي عليه قراراته، فالصندوق مستقل. بالتالي، قد يمون عليه الوزير بطلب معيّن، ولكن في المقابل، لا يحق له أن يفرض عليه ما لا يريده.

وتكشف المصادر القضائية أنّ الفقرة الثالثة من نظام صندوق تعاضد القضاة، تجيز "استيفاء رسم الطابع المنصوص عليه في المادة 15 من القانون رقم 18/78 تاريخ 18/12/1978، بعد تحديد قيمته بألف ليرة لبنانية". وتؤكد المصادر أنّ التأخير في المباشرة باستيفاء الرسم المذكور، ليس من شأنه أن ينزع عنه المشروعيّة رغم مرور الزمن.

غير أنّ المادة 15 نفسها تنصّ أيضاً على "وجوب لصق طابع على كل لائحة أو مذكرة أو استدعاء يقدّمها المحامي إلى أيّ سلطة قضائيّة"، وهو ما ذكره جريصاتي في كتابٍ ثانٍ أرسله إلى رئيس مجلس القضاء الأعلى، مذكّراً بأنّ "النصوص التي تُحدث ضريبة أو رسماً جديداً أو تفرض جبايته، إنّما تفسر حصراً"، ذلك أنّ الدستور اللبناني قد نص في المادتين 81 و82 منه على أن إحداث الضرائب وجبايتها وتعديلها والغاءها تتم جميعها بقانون. عليه، تمنى وزير العدل إعادة النظر في موضوع استيفاء الطابع المذكور، مشدّداً على أنّ "مراجعات مكثفة تمّت مع الوزارة من بعض منظمات الأمم المتحدة ومن مسؤولي البرامج التابعين لهم، الذين أبدوا استغرابهم من هذا القرار الذي يتعارض مع الاتفاقيات الدولية وشرعة حقوق الإنسان، لاسيما أنه يجافي حق الأسرة بزيارة السجين بشكل غير مشروط".

في المحصّلة، تدعو مصادر وزارة العدل السلطة القضائية إلى التراجع عن قرار فرض ضريبة السجناء، واستبدالها بوسائل تمويلية جديدة، من خلال التعاون مع الوزير جريصاتي الذي يجهد منذ تسلمه حقيبة العدل، للدفاع عن حقوق القضاة في لبنان عند الضرورة، انطلاقاً من حرصه على أن تكون هذه السلطة الدستورية مستقلة ومتمكنة من وسائل استقلاليتها ومهابة وموضع ثقة لدى المتظلّمين، كونها السلطة الوحيدة التي تصدر قراراتها باسم الشعب اللبناني، صاحب السيادة ومصدر كل سلطة. بالتالي، صاحب المصلحة المباشرة بأن تتمتّع هذه السلطة بكل الضمانات لعدالة مثلى، والمستفيد منها الشعب نفسه، وأول المتضررين، في حال انتفائها، الشعب نفسه أيضاً.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها