تجدد انفجار الخلاف بين التيار الوطني الحر والرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري. مرحلة الضغط ستزداد. وحجم الرسائل السرية المتبادلة ينذر بما هو أقسى. يصر التكتل على نقل المعركة إلى الصلاحيات الدستورية، ويعتبر المستقبل أنها تهدف إلى ضرب الطائف، والالتفاف على موقع رئاسة الحكومة. هي المرّة الأولى التي يصل فيها سوء العلاقة بين الطرفين إلى هذا الدرك منذ التسوية الرئاسية. استنفر رئيس الجمهورية ميشال عون فريقه وتكتله النيابي بصفته التكتل المسيحي الأكبر، فيما الحريري وجد نفسه محتضناً من رؤساء الحكومات السابقين الذين يرفضون المساس بصلاحيات موقع رئاسة الحكومة.
الصورة التي تتخذ عن تجدد هذا الصراع وما يتخلل الموجة من مواقف بين الطرفين، تشير إلى أن هناك من يصرّ على حصرها في خانة صراع سنّي ماروني. نجح رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع مبكراً في سحب هذا النقاش من التداول، من خلال تمسكّه باتفاق الطائف، فيما التيار سيعمل على استهداف جعجع من هذه الخانة، بطرح شعارات تقود إلى منطق الدفاع عن حقوق المسيحيين والحفاظ على موقعهم ودورهم في الدولة. وهناك من يعتبر أن الطائف يجب أن يجد من يدافعون عنه غير السنّة، كي لا تتمذهب القضية. ومن هنا كانت اتصالات متعددة مع بكركي لأجل عدم الذهاب إلى ضرب الدستور أو تغييره. وهذا ما تجلى في مواقف المطارنة الموارنة، الذين ابدوا استغرابهم لفتح قضايا دستورية عند كل استحقاق. ما فهم أنه موقف داعم للطائف ورافض لأي طروحات لتعديل الدستور.
مواقف تكتل التغيير والإصلاح واعضائه لا تشير إلى أن الأمر يتعلق بتشكيل الحكومة فحسب. المسألة تجاوزت هذه النقطة، لتصل إلى مشارف إعلان حرب سياسية على غرار حرب أهلية. فقد غرّد وزير العدل سليم جريصاتي عن "دموع التماسيح على الطائف التي يذرفها رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة في بكركي والفاتيكان لن تشفع به، وسوف نمسك بيده لنرده عن ضرب الدستور". واعتبر نائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي أن ما يجري هو عملية تزوير لإرادة اللبنانيين وإجهاض العهد. وهذا مؤشر على نقل المعركة من مكان إلى مكان آخر. فالاستنفار متعمّد للإشارة للانتقال إلى مرحلة جديدة من المواجهة. فما يريده تكتل الإصلاح والتغيير من الهجوم هو تعرية الحريري من بيئته وممن يقف بجانبه.
في أوساط الحريري تأكيدات أن هذا الضغط لن يدفعه إلى التراجع، بل سيتصلّب أكثر. في المستقبل، ثمة رأي يرتفع ويقول إن ما يريده العونيون هو فرط التركيبة الحالية، والذهاب إلى إعادة بناء دولة قائمة لأجل الموارنة، وليس كل الموارنة، بل موارنتهم هم. ولكنهم يستندون إلى قوة لا قيمة لها على المستوى الدولي، وكل ما يسعون إليه لا يحظى بأي موافقة إقليمية أو تغطية دولية. المشكلة هي في تركيبة العقل العوني، والمطلوب منهم هو التواضع فقط.
دخلت الأمور في مرحلة أخيرة من عضّ الأصابع. عون وحزب الله يريدان حكومة بأي ثمن وبأسرع وقت. بالتالي، كل الضغط الذي سيحصل يهدف إلى إجبار الحريري على التراجع، فيذهب إلى تقديم تنازل يرضي رئيس الجمهورية. أما في حال عدم التراجع، فلا بد من انتظار الخطّة (ب) التي ستخرج من بعبدا لمواجهة المرحلة المقبلة. بينما هناك من يعتبر أن ليس هناك من تطور قد يفرض تغيراً جوهرياً يؤدي إلى تشكيل الحكومة في هذه اللحظة، لا سيما أن هناك استحقاقات أهم من الملف اللبناني ومن تشكيل الحكومة. وهذا يرتبط بالوضع في العراق وتطورات معركة إدلب، من دون إغفال الغارات الإسرائيلية التي تجددت بشكل شبه يومي على مواقع إيرانية في سوريا.
الضغط على الحريري سيزداد، والتهديدات التي يتلقاها كثيرة في السياسة، فيما لم تعرف بعد وجهة تفكيره وما سيفعله، وإذا ما كان سيرضخ للضغوط أم لا. مصادر مراقبة عن بعد، تشير إلى أن كلام الحريري المتكرر عن الأزمة الاقتصادية والمالية، وعن التحذيرات الدولية والحرص على البلد، قد يؤدي به إلى تقديم تنازل معين كان قد طالب جعجع بتقديمه، وذلك إنطلاقاً من بينة تفكيره وكأنه أم الصبي، فيما رئيس الجمهورية وتياره لا يريدان أن يلعبا دور أم الصبي. ما يدفع البعض إلى التخوف من أن يتراجع الحريري، على قاعدة أنه بدأ تقديم التنازلات بنفسه وعلى الجميع أن يحذو حذوه.
هذه النظرة يعارضها البعض، على اعتبار أن الحريري مطوق ببيان رؤساء الحكومات، وبموقف جعجع، ولكن إذا ما تراجع جعجع، سيتراجع الحريري فوراً، لأنه سيعتبر أن لرؤساء الحكومات السابقين حساباتهم، فلميقاتي غاية في حشر الحريري سنياً على المدى البعيد، أما السنيورة فينطلق من إنسجامه مع موقفه السياسي الذي رفض الدخول في هذه التسوية، ويريد إثبات صوابية رأيه مجدداً مستنداً إلى تصرفات بعبدا.
الحريري والانقلاب العوني على الطائف: الصراع ليس سنيّاً مارونيّاً
منير الربيعالخميس 2018/09/06

الضغط على الحريري سيزداد (علي علوش)
حجم الخط
مشاركة عبر
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها