ما يجري في الجنوب السوري، قد يرسم المرحلة السياسية والاستراتيجية للمرحلة المقبلة، بشأن حدود نفوذ الدول والقوى في سوريا، وما سيكون لذلك من انعكاسات على دول الجوار. يبقى الأساس في النفوذ الايراني وكيفية معالجة وجوده أو مواجهته من قبل الأميركيين. يطلق الأميركيون مواقف متعددة. ألقوا بالحمل على توافق روسي إسرائيلي، يبدو أنه لم ينجز بعد. ما حمل وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى تل أبيب للقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. الموقف الإسرائيلي واضح، وأعلنه نتنياهو بأن وجود ايران مرفوض على كامل الجغرافيا السورية. ولم توافق تل أبيب على المقترح الروسي بإبعاد القوات الإيرانية بمسافة 100 كيلومتر عن الحدود الجنوبية.
لدى الإسرائيليين شكوك بأن ايران لا تزال موجودة في الجنوب، بلباس الجيش السوري. كما أن القوة الفاعلة في جنوب سوريا هي حزب الله السوري. لذلك، يبقى الميزان في مدى تحقيق الأمن الإسرائيلي في الكفة الدولية. وهذا ما تفوضه واشنطن لتل أبيب وموسكو، مستندة إلى تصعيدها العقوبات والإجراءات والضغوط على طهران، بالتزامن مع تصعيد الموقف الإسرائيلي. وما بين تصعيد وآخر يطلق الرئيس الأميركي دونالد ترامب مواقف تجاه ايران، بأنه يريد الوصول إلى اتفاق جديد معها. على الأرجح أن شروط التوصل إليه تنطلق من الموافقة الإسرائيلية.
ايران تمتلك مزيداً من أوراق القوة، وفق ما أكد رئيسها حسن روحاني. وهي غير إقفال مضيق هرمز. من بين الأوراق الإيرانية لبنان وسوريا بمناطق النفوذ فيها والتأثير على النظام ووجود هامش أساسي مشترك بينها وبين الروس، بالإضافة إلى وجودها الميداني. وإلى حين الوصول إلى تصور للحل أو لرسم التوافق على مناطق النفوذ، لا يزال التصعيد مستمراً، ويومياً تدوي صافرات الإنذار في شمال الأراضي المحتلة من الجهة السورية، تارة على خلفية إطلاق صواريخ، وطوراً لإسقاط مقاتلة سورية أو طائرة مسيرة بدون طيار. قبل أيام، وصلت الرسالة الأساسية وهي الضربة على مصياف. ومفادها أن الوجود الإيراني في سوريا مرفوض.
يهدد ترامب الايرانيين، وفيما بعد يقول إنه جاهز لإبرام اتفاق معهم. هذا النوع من التصعيد معتاد، بهدف الوصول إلى تسوية سياسية. وهذا ما كان مشهوداً في الأزمة الكورية الشمالية، التي وصلت إلى حدّ التهديدات بالنووي، إلى أن عقد ترامب لقاءه مع كيم جونغ أون. وهذا قد يتكرر مع ايران، لكن التوقيت يبقى متعلّقاً بأفق التفاهم الروسي الإسرائيلي بشأن الدور الايراني. بالتالي، فإن رفع السقوف لا يعني الوصول إلى مواجهة مباشرة، لا تريدها واشنطن وتتحاشها طهران التي لا تردّ على الضربات الإسرائيلية التي تتلقاها على كامل الجغرافيا السورية.
تستخدم أميركا سلاح العقوبات، وتعتبر أنه الأنجع في استدراج طهران إلى طاولة التفاوض بشروطها، طالما أن الوضع الايراني الداخلي ضاغط إلى حدود بعيدة، وما تركز عليه أميركا في المرحلة الحالية والمقبلة، هو تشديد الضغط على حلفاء ايران وخصوصاً حزب الله، الذي يجري الإعداد لإقرار قانون جديد ضده، بفرض عقوبات على الأشخاص والكيانات المتورّطين بانتهاك القوانين الدولية المتعلّقة بحماية المدنيين خلال الصراعات المسلّحة. ويصف حزب الله وتنظيمات أخرى قريبة من ايران بالإرهابية والأكثر استغلالاً للمدنيين، خصوصاً في ما يتعلّق باستخدامهم دروعاً بشريّة خلال الحروب ومنعهم من الفرار والاحتماء وتعريضهم للخطر الداهم.
ويأتي المقترح بعد مقترح آخر ينص على وجوب نزع سلاح حزب الله ووضع خطة زمنية بين الحكومة اللبنانية وقوات الطوارئ الدولية لبدء عملية نزع أسلحة الحزب بعد إجراء مسح شامل لترسانته. واللافت أن الاقتراحات الحالية والقوانين المقرة سابقاً، تأتي في لحظة تحولات كبيرة تمرّ بها المنطقة، ويعاد فيها رسم حدود مناطق النفوذ. وتقول مصادر أميركية إن الباب لتطويع ايران هو في تقليم أظافر حلفائها في المنطقة، وعلى رأسهم حزب الله. وتؤكد أن هذا النوع من الضغوط سيزداد في المرحلة المقبلة، وسيأخذ طابع الشرعية الدولية، ويمكن الإشارة إليه من الكلام الأخير للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غويتريس، خلال مناقشة تطبيق القرارات الدولية في مجلس الأمن. وقد حمّل غويتيرس حزب الله مسؤولية تقويض الدولة ومؤسساتها، وعرقلة تطبيق القرارات الدولية. وهذا ما تشير إليه ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة في لبنان بيرنيل كارديل، بوجوب إيجاد حل لسلاح حزب الله، ونزعه بموجب الاستراتيجية الدفاعية التي يجب أن يتم التوافق عليها.
الجنوب السوري: صورة لعلاقة المجتمع الدولي بايران وحزب الله
منير الربيعالخميس 2018/07/26

رفع السقوف لا يعني الوصول إلى مواجهة مباشرة (Getty)
حجم الخط
مشاركة عبر
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها