تتعدد التكهنات بشأن مضمون زيارة الرئيس سعد الحريري إلى المملكة العربية السعودية. تختلف القراءات في لبنان بشأن هدف هذه الزيارة، التي سبقتها زيارة الموفد السعودي نزار العلولا للقاء مختلف القوى السياسية. هناك من يعتبر أن السعودية تعود بقوة إلى الساحة اللبنانية، وتسعى إلى إعادة تعزيز اللحمة بين حلفائها، وحرصها على الخطّ السياسي الذي تمثّله قوى 14 آذار. بالتالي، ستعمل على شد أوصر هذا الفريق، وحثّ مكوناته على التحالف في ما بينه على قاعدة سياسية. في مقابل هذه النظرة، ثمة من يعتبر أن السعودية خطت خطوة تراجعية، انطلاقاً من نظرة براغماتية للواقع.
لدى السعودية اهتمامات لبنانية أكثر من الدخول في التفاصيل الانتخابية. همّها الحفاظ على علاقاتها بحلفائها، حتى وإن اختلفوا في ما بينهم في الانتخابات، لأن الغاية هي احتفاظهم بمواقعهم في التركيبة السلطوية، كي لا تترك الساحة بكاملها لإيران. من هنا، لا بد من إعادة الاعتبار للحريري، كرئيس للحكومة وزعيم أكبر كتلة نيابية، وحليف السعودية.
في سلّم أولويات الزيارة، وترميم العلاقة، لا بد من الاقرار بأن هناك مشكلة عالقة، ولا يمكنها البقاء وفق الشكل الذي كانت عليه. المطلوب حلّها، وليس بالضرورة أن يكون هذا الحلّ قائماً على فكرة التصعيد السياسي، بل قد يكون التوجه للتعاطي مع الملف اللبناني بالواقعية السياسية، والحفاظ على الصيغة القائمة من خلال وجود الحريري كشريك أساسي للسعودية في السلطة. وإذا كان المسار الدولي الضامن للاستقرار في لبنان، وضابط إيقاع التوازنات فيه، فلن تكون السعودية سائرة عكس هذا التيار. تختصر المصادر هذه العلاقة وتطوراتها في إطار إعادة تطبيع العلاقة، والتأقلم مع الوضع القائم مع تحسين للشروط بدون الإخلال بالستاتيكو القائم.
على صعيد الانتخابات، لن يرتفع السقف السياسي في هذا الاستحقاق. إذ ليس هناك أي وجهة أو إشارة تشير إلى ضغوط جدية على حزب الله لتغيير المعادلة الداخلية، خصوصاً أن القانون الحالي لا يفترض نسج تحالفات سياسية واسعة، لأن حساباته تفصيلية. من مصلحة السعودية أن يبقى الحريري على تقارب معها. وهنا تدخل المعادلات اللبنانية، التي تفرض الذهاب إلى تحديد هوية الطرف المتراجع، فهل الحريري تراجع وأراد السير بالتوافق مع الرياض على الخيارات السياسية، أم أن السعودية هي التي تراجعت، واعتمدت مقاربة مختلفة للتعاطي مع الملف اللبناني؟ الجزم بالاحتمالين غير متاح، لأن الحسابات السياسية تختلف عن المواقف المتخذة بشكل جذري. لكن لا شك أن كلام ولي العهد السعودي عن أن وضع الحريري اليوم أفضل من وضع حزب الله في لبنان، يحمل مؤشراً جديداً للعلاقات بين السعودية والحريري. بالتالي، بين السعودية ولبنان. بقي الحريري على خطابه الرافض للتصعيد، فيما استعاد علاقته مع السعودية، التي ستتبلور أكثر خلال الأيام القليلة المقبلة. وهي بدورها ستنعكس ليس على التفاصيل الانتخابية، بل على ما هو أوسع من ذلك، بما في ذلك مساعدة دول الخليج للبنان في مؤتمرات الدعم الدولية.
النظرة الواقعية تشير إلى أن الحريري يمثّل مصلحة سعودية في وجوده في السلطة، طالما كانت علاقته ممتازة معها، ولا يمكنه البقاء في هذه السلطة، إذا اتخذ خيارات تصعيدية كبرى، سواء أكان ضد حزب الله أم ضد التيار الوطني الحر. بالتالي، فإن مصلحة الحريري تقتضي الحفاظ على علاقته بحلفائه السابقين، مع الاحتفاظ بعلاقاته الجديدة، لما يمثّله ذلك من ضمان للتوازن السياسي على المستوى البعيد.
هكذا أقنع الحريري السعودية
منير الربيعالجمعة 2018/03/02

من مصلحة السعودية أن يبقى الحريري على تقارب معها (دالاتي ونهر)
حجم الخط
مشاركة عبر
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها