طغى الوضع في الجنوب على كل ما عداه من أحداث في الساحة اللبنانية. لبنان أصبح دولة نفطية، لكنّ يحدّها في الجنوب توتر كبير مع العدو الإسرائيلي، على خلفية الخلاف بشان البلوك 9 النفطي، وبناء الجدار الاسمنتي الفاصل. هذه الحيثيات أصبحت العامل الأساسي للقراءة السياسية في لبنان، بمعزل عن تفاصيل اليوميات الانتخابية التي لا تزال تراوح مكانها في ما يخص التحالفات. ما يجعل الصورة غامضة. وينعكس ذلك في الجنوب، وينسحب على المؤتمرات الدولية التي كان لبنان يستعد لعقدها ويعوّل عليها، لاستنهاض اقتصاده وتجديد بناه التحتية والعسكرية.
فالظروف السياسية التي تنحو في اتجاه التوتر السياسي والإعلامي بين لبنان وإسرائيل، ستنعكس على تلك المؤتمرات، وأولها مؤتمر روما 2، الذي كان سينعقد في الأسبوع الأخير من الشهر الحالي. لكن، هناك توجهاً لدى الحكومة الإيطالية بتأجيله شهراً قابلاً للتأجيل أيضاً. وهناك من يعتبر أن هذه المؤتمرات المخصصة لدعم لبنان، ستتأجل إلى ما بعد الانتخابات النيابية، أولاً لتتضح الصورة السياسية في المنطقة، وثانياً لتظهر النتائج التي ستفرزها الانتخابات، وإذا ما كان البرلمان العتيد متعاوناً مع المجتمع الدولي أم لا.
ما ينعكس توتراً في السياق الإعلامي والسياسي العام بين لبنان وإسرائيل، واللجوء إلى اللهجة التصعيدية بين الطرفين، وصولاً إلى تلويح لبنان بالتقدم بشكوى إلى مجلس الأمن، مقابل تنازل إسرائيلي، لجهة إبعاد الجدار 50 متراً عن النقاط المتنازع عليها، والتنازل في ملف النفط والبلوك 9، نسبة إلى تأكيد إسرائيلي بالجهوزية لحلّ هذه الأزمة عبر التفاوض. وفيما يتجنّب لبنان خيارات التصعيد العسكري في هذه المرحلة، يعزز حزب الله حضوره العسكري في الجنوب تحسباً لأي طارئ، لكنه حتى الآن يقف خلف الجيش اللبناني، وهو يؤكد استعداده لدعم الجيش في أي خيار سيقدم عليه.
وفق مسار الأمور، وما ترافق مع زيارة نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي ديفيد ساترفيلد إلى لبنان، وفي انتظار زيارة الوزير ريكس تيلرسون منتصف شياط الجاري، فإن التوتر سيتضاءل نسبياً، مقابل فسح المجال أمام الوساطة الأميركية. لكن لا شك أن هذه الوساطة تتضمّن شروطاً قاسية على لبنان، وهذه الشروط لا تنفصل عن الاستمرار الأميركي بتشديد الضغط على حزب الله، ولن تنفصل عن التوجه السياسي لمختلف الدول الأوروبية والعربية، التي تزيد الضغط على الحزب وعلى الحكومة اللبنانية، لأجل منعه من التدخل عسكرياً وسياسياً في عدد من الدول. وهذا الشرط سيكون حاضراً بقوة لدى دعوة أي دولة للمشاركة في مؤتمرات دعم لبنان.
في ما يخص النفط، فإن المبادرة الأميركية تقضي بتقاسم الحقول النفطية التي تدعي إسرائيل أحقيتها بها، فيما لبنانيّتها مثبتة. تريد إسرائيل تحقيق ما هو أبعد من مجرّد اعتداء على النفط من بوابة المفاوضات، بل يريد الدخول في مفاوضات غير مباشرة مع لبنان، في ظل الكلام عن صفقة القرن. معلوم أن لبنان لا يتخذ قراراً في هذا الشأن، وقراره يرتبط بشكل أساسي بالتوجهات السورية والإيرانية، لكن إسرائيل تصر على استدراج لبنان إلى هذه الخانة، لجس نبض إيران، ولتوجيه رسائل إليها. فيما إيران قادرة على ردّ الرسائل، وآخرها كانت زيارة المرشح الرئاسي السابق إبراهيم رئيسي إلى المناطق الحدودية قبل نحو أسبوعين. وهذه الزيارة أوحت بأن الإيرانيين لن يتركوا هذه المنطقة.
وفق المعلومات، فإن المقترح الأميركي لسحب فتيل النزاع والتوتر، ليس جديداً، برز في فترة ولاية الرئيس السابق باراك أوباما. وحينها، جرى التسويق له، من مبدأ تجنّب التوتر أو اندلاع صراع، لكن لبنان رفض هذا المقترح، واليوم يجدد رفضه له. لذلك، فإن الأمر سيكون مرتبطاً بمدى أوسع من موافقة لبنان من عدمها، وهو يرتبط بتطورات الأوضاع في المنطقة، وتحديداً في ما يخص العلاقات الأميركية الإيرانية، وانعكاساتها. وإذا ما بقي التصعيد يلوح في أفق العلاقات الإيرانية الأميركية، فإن الوضع في الجنوب سيكون قابلاً للتفجّر. سواء أكان من بوابة حرب النفط أو حرب الجدار.
بعض الشروط القاسية أيضاً، يرتبط بين هذه التطورات وانعقاد مؤتمرات الدعم الدولية. كل الجهات المانحة لديها شروط تحاول فرضها على لبنان. الأميركيون يريدون الدخول في مفاوضات النفط والجدار، ويريدون الالتزام بالعقوبات على حزب الله. دول الخليج التي تعتبر أكثر الدول الممولة للبنان في مؤتمرات مشابهة، ترفض المشاركة طالما موقف الحكومة اللبنانية غير واضح لجهة مواجهة حزب الله القادر على فعل ما يريد، ويشترطون لتسليح الجيش اللبناني أن يكون القوة العسكرية الشرعية الوحيدة في لبنان. أي يريدون تأكيد مبدأ فرنسا في تفكيك المنظمات المسلّحة في المنطقة، وأبرزها تلك المرتبطة بإيران. الشروط الأميركية والخليجية، تتلاقى أيضاً مع بعض الدول الأوروبية، لكنها تبدو أقل تشدداً في ذلك، خصوصاً في ظل الكلام عن تعاون أمني واستخباري بينها وبين حزب الله، في مسألة الحرب على داعش والمنظمات الإرهابية.
في مقابل هذا الحراك، برزت الزيارة الخاصة التي يجريها الرئيس سعد الحريري إلى فرنسا، والتي بحسب المعلومات المتداولة، هي مخصصة لبحث شؤون شركة أوجيه انترنشونال ومستحقات موظفي الشركة، فيما تلفت معلومات متابعة إلى أن الحريري سيحاول البحث مع بعض المسؤولين الفرنسيين، وإن بعيداً من الإعلام، كيفية توفير عقد المؤتمرات الدولية، وأولها روما 2، وعدم الذهاب نحو تأجيلها. لأن لبنان يعوّل عليها.
ما دور إسرائيل بـ"تأجيل" مؤتمرات دعم لبنان؟
منير الربيعالسبت 2018/02/10

حزب الله يعزز جبهته الجنوبية (Getty)
حجم الخط
مشاركة عبر
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها