تأخر موقف تكتل التغيير والإصلاح أسبوعاً لحسم الجدل بشأن الخلاف بين مستشاري رئيس الجمهورية، الوزير السابق الياس بوصعب والصحافي جان عزيز. بوصعب قريب جداً من الرئيس ومن الوزير جبران باسيل، وعزيز قريب جداً من الرئيس ميشال عون ومن مستشارته ميراي ميشال عون. أسبوع من الأخذ والردّ داخل التيار، واتهامات كبيرة ساقها الرجلان بحق بعضهما البعض، انتهت لمصلحة بوصعب. كان كافياً بيان التكتل لتأكيد رفض ما تعرّض له بوصعب، ورد الاعتبار له. ورفع الغطاء عما ورد في مقدّمة قناة الأو تي في. ويعني ذلك أن الكباش الداخلي رجحت كفّته لمصلحة باسيل.
يثبت باسيل مجدداً انتصاراته داخل التيار والتكتل وحتّى في القصر. وهذا ما سيعززه أكثر فأكثر، من خلال التعديلات الداخلية التي تجرى في النظام الداخلي للتيار. لا يريد باسيل أي ثغرة يمكن استخدامها كخاصرة رخوة داخل تياره. ففي الوقت الذي يسعى فيه إلى تسيّد الزعامة المسيحية، ورفع شعارات استعادة الحقوق استناداً إلى اللهجة التصعيدية، لا يمكن السماح بوجود خواصر رخوة داخل تياره، يمكن استغلالها للتشويش عليه.
لا يخوض باسيل معركة رئاسة الجمهورية فحسب. يريد خوض معركة زعامة الشارع المسيحي. يصنع صورة فريدة لذاته، بأنه قادر على التحالف مع طرف ومخاصمته في آن، وبأنه الحاجة الماسّة لكل الأفرقاء. يضرب تارّة بموقف يناقض حزب الله، ويهاجمه، وطوراً يسلّفه مواقف الدفاع عنه ومنحه الغطاء الشرعي والرسمي في المحافل العربية والدولية. يصعّد من لهجة انتقاده رئيس مجلس النواب، بطريقة لا يجرؤ أحد على استخدامها، مقابل ثبوت الاتفاق النفطي مع عين التينة، واستمرار التفاهمات المتعلّقة بتوزيع المكاسب والمواقع. يضمّ تيار المستقبل إلى صدره، ويستفز الشارع السنّي أو السعودية.
يحاول باسيل ابتداع نمط جديد من الشخصيات السياسية. يهوى اللعب على التناقضات، يؤكد الحرص على الديمقراطية، وضرورة تكريسها في المؤسسات العامة، لكنه يتلقى انتقادات من حزبيين ومناصرين، بأنه يتفرّد بقرارات التيار، ويمارس ديكتاتورية على المحازبين، ومن يعارضه يحال إلى هيئة التأديب أو إلى يُبعد من التيار. هو في منزلة لا يمكن فيها التسامح مع الانتقاد أو ترف الديمقراطية الداخلية. بيده اليمنى، يمسك تمثيل لبنان الرسمي خارجياً، يعزز من شبكة علاقاته، التي تنتج مواقف متناقضة، في معظم الأحيان، لكن التناقض يستثمره في تعزيز رصيده. يوسّع شبكة علاقاته الدولية، يسلّف المجتمع الدولي موقفاً بانتقاد حزب الله، وبتحميله مسؤولية سياساته الخارجية التي يدفع ثمنها لبنان كله، ويحتفظ بالعلاقة مع الحزب، من بوابة وثيقة التفاهم، ومن خلال مواقفه المدافعة عن الحزب في اجتماعات الجامعة العربية.
وفي سياق تعزيز باسيل وضعيته داخل تياره، وتجنّباً لتكرار الخلافات التي حصلت داخل التيار، سواء أكان عند تشكيل الحكومة وتسمية الوزراء، أو لعدم تكرار ما حصل بين المستشارين. ولتجنّب تكرار التجربة الأولى لمعركة باسيل في رئاسة التيار، يتم إقرار تعديلات على النظام الداخلي للتيار، تقضي بالغاء انتخاب الهيئات المحلية وهيئات الأقضية، واعطاء صلاحية تعيينها لرئيس التيار. بالإضافة إلى إقرار تعديل، يمنح باسيل كرئيس للتيار، صلاحية تأجيل الانتخابات الداخلية.
كل هذه التعديلات التي تغيّر جوهرياً النظام الداخلي للتيار، هدفها انتخابي وفق ما تقول مصادر متابعة. إذ يريد باسيل من خلالها تعيين مجالس وهيئات فاعلة، قادرة على تحفيز القاعدة واستقطاب المترددين أو المستقلين إلى مناصرة التيار انتخابياً. لكن، عملياً تأتي هذه الخطوة، بعد خلافات كبيرة في صفوف هذه الهيئات والمجالس، وبعدما شهد التيار استقالات جماعية في عدد من الأقضية والمناطق، على خلفية معارضة سياسة باسيل. بالتالي، لا يريد باسيل تكرار هذه التجربة، لما تمثّله من تضعضع في صفوف التيار.
كل هذه التعديلات تعني أن باسيل أصبح الحاكم بأمره داخل التيار. ولم يعد بحاجة إلى استنزاف نفسه في شد أواصر تياره، والجهد الذي كان يصرف في هذا السبيل، سيصرفه باسيل من الآن وصاعداً في معركته الرئاسية، وزعامته المسيحية. لكن الأكيد أن كل هذه الاجراءات لن تمرّ مرور الكرام، وإن عبرت بسلاسة مرحلياً، خصوصاً أن هناك من يتوقع أن كل هذه الاجراءات ستنفجر بعد تركها ندوباً كثيرة في جسم التيار البرتقالي. بعض العونيين الممتعضين مما يجري، يعتبرون أن هذه الظاهرة ستكون مؤقة أو مرحلية، وفي لحظة ما، سينشأ عن التيار تيارات.
باسيل يتفرّغ للزعامة: أنا الآمر الناهي في التيار
منير الربيعالجمعة 2018/02/09

من تناقضات باسيل: نقد حزب الله والدفاع عنه (ريشار سمور)
حجم الخط
مشاركة عبر
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها